"تضحية.. فداء.. مجد".. هذا شعار قوى يعكس أسطورة قوات الصاعقة المصرية، التى ضربت أروع الأمثلة فى التضحية بالنفس والجسد فداء للوطن والزود عن الراحة لتستحق بجدارة أن تنال المجد فى عليائه.
نحن اليوم ( 19 سبتمبر 2014 – الدورة 24 / إعلام عسكري) فى قلب قلعة البطولات المستحيلة، ومصنع الرجال الشدائد، حماة مصر فى ساحات الوغى، وسط الظروف الصعبة والأجواء الميدانية القاسية، والتى سطرت بحروف من نور تاريخًا مشهودًا لها خلف خطوط العدو فى لحظات الانكسار والهزيمة، واستطاعت أن تزلزل العدو الإسرائيلى وتدخل الرعب بين صفوف جنوده فى عز خيلائه فى أعقاب نكسة 67 القاسية.
ومن هنا استحقت الصاعقة أن تكون فى مقدمة الجيش تزامنًا مع سلاح الطيران فى حرب أكتوبر 1973، لتمهد الأرض للتشكيلات المختلفة نحو بوابة العبور من الهزيمة إلى النصر - على قلة الإمكانات ومع فروق التطور فى مجالات السلاح مقارنة بالعدو - وبالتالى ساهمت فى رفع الروح المعنوية للمقاتل المصرى التواق إلى لحظة تحرير ترابه المقدس.
لقد كان لهذه الزيارة تحديدًا أبلغ الأثر فى نفوسنا ولا تزال، بعد الاطلاع على سجل الصاعقة الحافل بالبطولة عبر التاريخ، والتى يرجع أصل تسميتها بـ"فرقة الصاعقة" إلى عهد الملك رمسيس الثانى، الذى كون فرقة من الحرس الخاص، تكون مهمته الاستطلاع والهجوم، وعرفت باسم الصاعقة، حتى اتخذت شكلها الحديث على يد الفريق "جلال هريدي" أول من أنشاء "فرقة الصاعقة" ضمن صفوف القوات المسلحة فى العصر الحديث، وتحديدًا عام 1955م.
نعم كان لها أبلغ الأثر لعدة أسباب، أبرزها أننا نسمع يومًا تلو الآخر عن كفاءة وقوة وشدة بأس مقاتلى الصاعقة، من حيث مستوى التدريب والكفاء القتالية فى أعقد الظروف وأصعبها، لكننا لم نكن نلمس ذلك الواقع المشرف لجنود وضباط وقادة هذه المدرسة العريقة فى الإقدام، ولم ندرك من قبل أنها تتمتع بخصوصية داخل منظومة القوات المسلحة، ولم نعرف على وجه الدقة كيف كان دورها البطولى فى التصدى للإرهاب على مستوى الجبهة الداخلية خلال السنوات الثلاث الفائتة، وما زالت ماضية على ذات الدرب، وهنا لابد للمرء أن يطمئن على هذا البلد الذى حباه المولى عز وجل بميزات نسبية أهمها جنوده الشرفاء، وعلى رأسهم رجال الصاعقة الأكفاء، بما لمسناه من قدرة وتحمل للمسئولية من جانب تلك النوعية من المقاتلين الذين يتمتعون بضبط النفس والسرعة فى تلقى التعليمات، وتنفيذ المهام بدقة متناهية تفوق دقة ساعة "بيج بن" الشهيرة.
نعم لمسنا كم هو حجم التدريبات القاسية تحت الظروف الضاغطة على المستوى النفسى والجسمانى فى صناعة مقاتل شرس يستطيع مواجهة أعدائه بسرعة ودقة وحسم، مع قدر هائل من الاتزان النفسى الذى يلعب دورًا مهمًا فى تقليل الخسائر البشرية فى ساحات الحروب، عندما توكل إليه مهام الحماية لباقى التشكيلات، فضلاً عن مهمته الرئيسية -التى لا تنتهى- فى تمهيد الأرض مع قوات الاستطلاع والمخابرات الحربية، فى أثناء الحرب.
فى مصنع الرجال "الصاعقة" لابد لك أن تفخر بسجلها البطولى، وحتما سيقشعر بدنك بمدى قدرة المقاتل وتحمله إلى حد الذهول، فى قلب الظروف الضاغطة التى يوضع فيها، ومع ذلك لا تلمح من علامات وجهه المغطى بالطين أو الغبار، سوى فيض من تلك الروح المعنوية المغلفة بالهدوء النفسي، ويعلو جبينه ذلك الفخار الذى يوصله دومًا إلى المجد.
فى أثناء العرض الذى قدمته أمامنا الفرقة "999" المتخصصة فى المواجهات الصعبة، يبدو الإقدام جليًا، ووسط سحابات الدخان جراء التفجيرات الحية المصاحبة لوابلات من الرصاص، ووسط صيحات الجنود فى قفزهم الواثق وحركتهم الرشيقة، سوف تدرك جوهر هؤلاء المقاتلين فى أثناء لحظات التصويب بدقة نحو الأهداف، وهو ما يؤكد كفاءة الصاعقة والقدرة الصائبة على المواجهة، بإقدام لا يشوبه أى نوع من التردد، وبعزيمة جبارة لاتهاب الموت، بقدر ما تهفو أرواحهم للشهادة فى سبيل الوطن، وهو ما يعكس بالضرورة كفاءة القيادة فى الإعداد والتهيئة.
كما برهنت التدريبات الحية التى شاهدناها على تلك العقيدة الإيمانية الراسخة داخل عقل ووجدان رجل الصاعقة، والتى على ما يبدو هى فطرية خالصة، تستند إلى عبقرية الزمان والمكان اللذين حبا المولى عز وجل بهما "مصر الكنانة" دون غيرها من سائر بلاد الأرض، وهو ما يشير إلى أن الكفاءة القتالية وحدها ليست هى السبب فحسب، بل فوق كل ذلك -على صعوبته- هنالك عقيدة إيمانية قوية تنبع من قداسة التراب المصري، الذى أقل ما يقدم له هو الروح بنفس راضية مطمئنة بقدرها المحتوم، كما هو الحال الآن فى سيناء.
وعلى الرغم مما مضى من كفاءة وإبهار فى التدريب والأداء تبقى فى القلب غصة جراء ذلك القصور الإعلامى الذى لا يدير عين الكاميرا نحو هؤلاء الأبطال، ويضع أضواء كاشفة على تلك البطولات التى تتسم بالندرة من بين جيوش الأرض جميعًا، فى وقت يحاول البعض النيل من جيش مصر، تلك الصخرة الصلبة والعصية على قوى الشر الكبرى والصغرى.
ومن هنا أقترح:
أولاً: ضرورة الكشف عن بطولات وأبطال الصاعقة العظام، من خلال أفلام روائية طويلة - أكرر أفلام روائية طويلة - وليست تسجيلية تفتقد الإثارة والتشويق، بهدف تعريف الشباب على بطولات جيشه، أو من خلال مسلسلات درامية تضاف للسجل الفنى الحافل بالعملاقة والكبار فى كل المجالات، فقد آن الأوان فى ظل الإنتاج الفنى الهائل، أن تكون هناك سيناريوهات تعتمد أقصى عناصر التشويق اللازمة، وفى هذا تتولى مدينة الإنتاج الإعلامى مهمة رعاية هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات بالتعاون مع إدارة الشئون المعنوية.
ثانيًا: لماذا لا يضاف للمدارس والجامعات والأندية نشاط يندرج تحت مسمى "فرق الصاعقة"، على غرار "الكشافة"؟، بحيث تكون هناك محاكاة لكفاءة الصاعقة فى القطاعات المدنية، حتى ولو تم ذلك فى فترات الإجازات الصيفية فى أثناء توقف الموسم الدراسي، وهو ما يبعث على نوع من الجدية المطلوبة لدى الشباب فى ظل الظروف الحالية لإرساء قيم الوطنية والفداء.
ثالثًا: فى "يوم الصاعقة" من كل عام لماذا لا تتم إقامة عرض للصاعقة من جانب طلاب المدارس والجامعات بالتعاون مع "مدرسة الصاعقة" بالتزامن مع تقديم عروض مسرحية تحكى قصص وبطولات أبناء الصاعقة؟، بحيث يظل هذا اليوم عالقًا فى ذاكرة الشباب، وينتظرونه بشوقه طوال أيام السنة حتى يأتى فى العام المقبل.
رابعًا: لماذا لاتستغل إعلانات الـ"أوت دور" المنتشرة فى شوارع القاهرة والمحافظات فى الترويج المجانى عبر مبادرة من جانب الشركات العاملة فى هذه المجال؟، وذلك من خلال ملصقات ولوحات مضيئة تعرض لمدة أسبوع قبل الاحتفال بيوم "الصاعقة - المشاة – المدفعية - البحرية - الجوية.. إلخ"، وتستعرض تلك الوسائل البصرية نبذة قصيرة وصور للشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل هذا الوطن، لتظل بطولات القوات المسلحة راسخة بقيمها العليا فى ذاكرة الأمة.
عاشت قواتنا المسحلة.. فخر الوطنية المصرية.