صابر حسين خليل يكتب:البديل

الأحد، 06 نوفمبر 2016 06:00 م
صابر حسين خليل يكتب:البديل فراق الحبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كما اعتادت مخاطبة حبيبها على برنامج ماسنجر عبر الإنترنت، خاطبته تسأل عن أحواله، ويأخذهما الحديث فى كل مرة عبر أغوار الماضى ويحدثها عن حبه القديم لها، وتحدثه عن عذابها فى الافتراق عنه، وكيف كانت تعيش قبل أن تلقاه ثانية عبر الإنترنت، وجدته وكأنها وجدت الحياة مجدداً .
 
محادثة بعد محادثة ازدهر حبهما أكثر من ذى قبل، أيام تمر والحبيب فى اشتياق لحبيبه لعل يجمعهما مكان واحد حقيقى، غير هذه الشاشات التى تنقل إحساسهما، مجرد كلمات تنتقل من طرف إلى آخر .
 
ومرات كثيرة حاول حبيبها أن يسمع صوتها دون جدوى، مجرد حوار بالكلمات، منذ فترة وهى تلمس تغير ملحوظ فى مفردات حبيبها، أرادت أكثر من مرة أن تعرف سبب هذا التغير دون جدوى.
 
فى النهاية استسلمت وعللت ذلك بضغوط الحياة التى يتعرض لها حبيبها .
اليوم قررت أن تكلم حبيبها وتسمع صوته وتُسمعه صوتها . كتبت رسالة إلى حبيبها: اليوم أريد أن أسمع صوتك . اليوم تداعب كلماتك أذنى كما كنت تمطرنى بكلماتك الرقيقة، سأتصل بك بعد ساعة واحدة . وصلت الرسالة لحبيبها، انتابه الفزع وكأن مصيبة محزنة حطت على رأسه، وأسئلة كثيرة تدور بداخله . كيف يواجه ذلك الموقف؟ فى النهاية لم يجد إلا الحقيقة طريقاً وحيداً للخروج من هذا الموقف .
 
الساعة مرت سريعاً، وجاء موعد المكالمة الصوتية . شاشة الهاتف تضىء وتعلن عن قدوم مكالمة من الحبيبة . الحبيبة تتوقع فرحة حبيبها لسماع صوتها، وتشتاق لسماع صوته عبر الهاتف.
 
ـ آلو: كيف حالك يا حبيبى؟
تفاجأ بصوت نسائى على الطرف الثانى، يقول لها: 
ـ مرحباً كيف حالك ؟
تشعر وكأنها أخطأت الاتصال، وتنظر لشاشة الهاتف فإذا به حساب حبيبها فمن أين جاء هذا الصوت الأنثوى؟ وقبل أن تفتك بها الحيرة جاوبها الصوت الأنثوى قائلاً: 
ـ نعم أنه هاتف حبيبك، وأنا أخته الصغرى .
مازالت علامات الدهشة ترتسم على وجه الحبيبة، كيف للحبيب أن يترك الهاتف لأخته فى أول اتصال صوتى بيننا بعد كل هذه السنوات؟ لماذا يتهرب من الاتصال، وقد كان يلح دائماً على بالاتصال به، ويصف لى كم يشتاق لسماع صوتى؟ كم يفتقد نبرة كلماتى؟ وقبل أن تأخذها الظنون بعيداً سرعان ما أكمل الصوت الأنثوى حديثه .
 
ـ أنا أخته، وهاتفه معى باستمرار منذ أكثر من شهرين، وقبل ذلك كان الهاتف معه وكان يحدثك من خلاله .
قالت الحبيبة :
ـ ولما ترك لك الهاتف، وجعلك تحادثنى بدلاً عنه ؟ هل كره الحديث معى؟ فلماذا لما يخبرنى؟
قالت أخته:
ـ أتذكرين محادثة تمت بينكما منذ أكثر من شهرين وكان يلح عليك فيها أن تكلميه صوتياً وقال لك: لعلها آخر فرصة .
ردت الحبيبة :
ـ نعم أتذكرها وكانت محادثة غريبة، وتوقف حديثه فجأة، وبعدها بدأ أسلوبه فى التغير، وعللت ذلك بسبب رفضى للمكالمة الصوتية.
قالت الأخت:
لقد توفى أخى أثناء هذه المحادثة.
 
وصلت هذه الكلمات كطلقات مدوية مميتة لأذن الحبيبة ولم تستطع أن تنطق بكلمة وكأنها فقدت السيطرة على كل حواسها وأعضاء جسدها .
صور عديدة تمر سريعاً أمام عينيها وكأنها شريط مصور يدور بسرعة كبيرة .
اللقاء الأول، النظرة الأولى، الابتسامة الأولى، اللمسة الأولى، عهود الحب، الافتراق الإجبارى الذى حدث بينهما . وسنوات الفراق، ثم بحثت هى عنه حتى وجدته ووجدت الحياة ثانية معه.
 
وتخيلت محادثته الأخيرة كيف لم تشعر به فى لحظات موته، فى هذه اللحظة استجابت عينيها فذرفت دمعة واحدة . دمعة تحمل الندم على كل ما فات، ندم على اختيار الفراق الأول، وندم على تأخرها تلبية طلب حبيبها الأخير .
قالت الأخت: 
ـ هل أنت بخير ؟ 
أفاقت الحبيبة على صوت الأخت عبر الهاتف، ورجع جسدها يطاوعها من جديد . الدموع تنهمر من العينين بلا صوت . رعشة تنتاب الجسد .
واستجمعت قواها وسألت أخته، لماذا لم تخبرينى بذلك فى حينها؟ ولماذا أكملت المحادثات على إنك هو؟
ردت الأخت بحزن:
ـ هذه كانت وصيته، ألا أخبرك بموته حتى لا تحزنى . وكنتُ كلما تمت محادثة بيننا أحاول أن أكون هو، وساعدنى على ذلك أنه كان يحكى لى دائماً عن حبه لكِ، وكان ما كان بينكما، منذ بداية علاقتكما، حتى لحظة وفاته .
هذه كانت آخر كلماته لى، خاف عليك من الحزن بعده.
 
أحست الحبيبة كيف خسرت هذا القلب الكبير، خسرته من أجل رفض أسرتها له فى البداية، وخسرته عندما لم تبحث عنه مبكراً عندما أضحت تمتلك القرار .
جاء صوت الأخت قائلاً: 
ـ لقد جعلنى أخى بديلاً عنه بعد مماته . ووصيته الأخيرة لك ألا تحزنى مهما حدث ألا تحزنى .
ـ انتهت المكالمة لكن أحاديث الحبيبة بينها وبين نفسها لا تنتهى .
وفى المساء نظرت إلى نفسها فى المرآة، فلم ترى نفسها وإنما رأت حبيبها ولحظاته الأخيرة وهو يطلب سماع صوتها مجرد صوتها، ولكنها بخلت به عنه .
من ساعتها قررت ألا تتكلم ثانية عقاباً لها حتى تلقاه، تعيش حزينة بلا صوت، بلا كلمات فقد مات من كان يتمنى سماع هذا الصوت وهذه الكلمات .









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة