وصل وزير الخارجية الأمريكية، كيسنجر، إلى قصر الطاهرة الساعة العاشرة صباح «مثل هذا اليوم 7 نوفمبر 1973»، فى أول زيارة لمصر، وجاءت بعد قرار وقف إطلاق النار «22 أكتوبر» للحرب بين مصر وسوريا ضد إسرائيل «6 أكتوبر 1973».
كان «قصر الطاهرة» شعلة من النشاط، حسب وصف محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 973 - السلاح والسياسة»، ولقى «كيسنجر» استقبالًا حارًا من الجميع أدهشه باعتباره «الرجل الذى أعطى لإسرائيل كل السلاح، الذى طلبته لتغيير الموازين لصالحها فى معركة ضد الجيش المصرى»، وأدهشه أيضا أن كثيرين من مستقبليه الرسميين المصريين أخذوه بالأحضان والقبلات، ولعلهم أرادوا أن يتباروا فيما بينهم وبين بعضهم حول أيهم يعرفه أكثر من قبل.
فى قصر الطاهرة دخل ثلاثة من كبار مستقبليه وهم «حافظ إسماعيل»، مستشار الرئيس للأمن القومى، وإسماعيل فهمى، وزير الخارجية، والدكتور أشرف غربال، المشرف على مكتب شؤون المصالح المصرية فى واشنطن، إلى الصالون الرئيسى فى القصر، وما كادوا يجلسون حتى دخل الرئيس السادات مرتديا زيه العسكرى»، مرحبًا بحرارة شديدة، أدهشت «كيسنجر»، وبدأ الجزء الرسمى من الاجتماع، وجلس السادات فى ناحية ومعه الوفد المصرى، وفى المقابل جلس كيسنجر ومعه وفده: «جوزيف سيسكو» و«الفريد آثرتون» و«هارولد سوندورز».
يؤكد «هيكل» أن ما دار فى هذا الجزء من الاجتماع لم يزد عن عبارات المجاملة وترحيب دافئ من جانب المضيف بضيفه، وبعد دقائق: «التفت السادات لأعضاء الوفدين قائلًا: إنه سيأخذ الدكتور كيسنجر إلى اجتماع مغلق بينهما، واستمر اجتماعهما ثلاث ساعات، وفى ربع الساعة الأخير منه انفتح باب الصالون، والتأم الشمل بين الجانبين مرة ثانية، وقال كيسنجر للجميع إنه ناقش مع الرئيس السادات مشروعا لفك الارتباط بين القوات المصرية والإسرائيلية يشمل نقاطا ستا، وأن الرئيس السادات وافق عليه، وسيذهب به «سيسكو» إلى السيدة جولدا مائير «رئيسة وزراء إسرائيل» للحصول على موافقتها، ثم راح يتلو النقاط الست.
كان ما دار فى اجتماع الـ«ثلاث ساعات» هو الأخطر، واختلفت الروايات بشأنه لأنه لم يحضره طرف ثالث، ولا يوجد تسجيل له حسب تأكيد هيكل، وهناك روايتان واحدة للسادات فى كتابه «البحث عن الذات» ورواية لكيسنجر بعنوان «سنوات القلاقل» فى مذكراته، قال السادات فى كتابه: «استغرقت الجلسة الأولى ثلاث ساعات، بعد الساعة الأولى شعرت أنى أمام عقلية جديدة فى السياسة، وأنى أرى وجه أمريكا الحقيقى، الذى كنت فيما مضى أتمنى أن أراه، أعتقد أنه لو رآنا أحد بعد الساعة الأولى من اجتماعنا لأعتقد أننا أصدقاء منذ سنوات وسنوات، لم تكن هناك أية صعوبة فى التفاهم، فاتفقنا على النقاط الست ومن ضمنها إقرار أمريكا بخط 22 أكتوبر فى فض الاشتباك».
أما كيسنجر، فيقول: «فور أن دخلنا وحدنا راح الرئيس السادات يحشو غليونه بالتبغ ويشعله»، ثم قال: «لقد كنت من زمن طويل أتشوق لهذه الزيارة، ولدى خطة سأحدثك عنها، ونستطيع أن نسميها خطة «كيسنجر»، ثم دعانى إلى جانب من الغرفة وضعت فيه بعض الخرائط وقد رسم عليها خط فك الارتباط، كما يتصوره، ويمتد من سيناء من العريش إلى رأس محمد جنوبا، واستغربت لأن الرئيس السادات كان لابد أن يعرف أن انسحاب إسرائيل لهذا الخط مهمة مستحيلة، ولم أكن أريد أن أبدأ معه برفض مقترحاته حتى مع اعتقادى أنها غير عملية، وهكذا رأيت أن أغير الموضوع، وقلت له: «قبل أن نتحدث فيما هو أمامنا الآن، أريدك أن تروى لى كيف استطعت تحقيق مفاجأة السادس من أكتوبر؟وكان سؤالى هذا نقطة التحول فى حديثنا، وقد ضاقت عيناه وهو يستعيد ذكرياته وراح ينفث دخان غليونه، ثم ابتسم مدركا أننى قدمت إطراء يعطيه قيمته وينقل إليه الإحساس بأنه لا يتفاوض من موقع ضعف، وكانت روايته فى البداية بطيئة، ثم راحت التفاصيل تتسارع وتتدفق حتى قال له: «أنا مصمم على إنهاء ميراث عبدالناصر، وأريد أن أعيد العلاقة مع الولايات المتحدة وبأسرع ما يكون، وراح يشكو لى من إخوانه العرب الذين لا يفهمون رؤيته الاستراتيجية الواسعة، وأنه ليس مستعدا لقبول ابتزازهم».
يؤكد كيسنجر أنه حصل على وعد من السادات برفع الحصار عن باب المندب تدريجيا، وإخراج البترول العربى بالكامل من هذه الأزمة، بحيث يرفع الحظر تماما عن الدول المفروض عليها الحظر بما فيها أمريكا.
عدد الردود 0
بواسطة:
omar shalaan
همة همة . . ما بيتغيروش .
ماأشبه الليلة بالبارحة . . فى تعامل العرب مع مصر ؟ . .