د. محمد على يوسف

وقود الحياة

الثلاثاء، 08 نوفمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 دون ذلك الشغف وجذوته ستجد الرتابة والملل وأعمالاً صورية تخلو من حقيقتها
 
 لم أكن يوما من محبى القهوة.. الحقيقة أننى لم أكن قد أعطيتها الفرصة كاملة كما لم أعط تلك الفرصة لنفسى لكى أكون رأيا منصفا عنها.كانت القهوة دوما ترتبط فى ذهنى بالمرارة القاسية التى تميز نكهتها المختلطة بذكريات وفيات عائلية، كانت القهوة السادة عاملا مشتركا فى كل عزاءاتها ولا أدرى حتى الآن لماذا كان ذلك الإصرار على تواجدها فيها. أيضا ذكريات تسارع فى ضربات القلب وربما شىء من الغثيان كانا دوما يصاحبان المرات المعدودات التى اضطررت فيها لشرب القهوة كى أستطيع مواصلة السهر لمذاكرة ليلة امتحان، أو قيادة ليلية طويلة! بعد سنوات علمت أن هذه الأعراض الجانبية كانت ناتجة عن أنواع رديئة من القهوة صادفتنى عند احتياجى لها أو بسبب تناولها فى أوقات غير متناسبة مع مواعيد النوم والوجبات، المهم.. منذ فترة ليست بالطويلة صارت القهوة هى مشروبى المفضل بعد أن كنت يوما من أشد النافرين عنها والرافضين لها صرت فعلا من عشاقها! 
 
وليس أى قهوة.. بل أقوى وأكثر أنواع القهوة تركيزا تلك الأنواع وأساليب الإعداد التى قد لا يتحملها كثير من المخضرمين الذين عشقوا القهوة لسنوات.صرت كلما ارتشفت رشفة من هدية الإيطاليين للعالم المسماة بالاسبرسو أو أحتسى قدحا من منافستها التركية العتدية؛ أتعجب كيف مضت كل تلك السنوات من عمرى دون أن أستمتع بذلك المذاق الساحر وتلك التأثيرات المدهشة؟! كيف بدأ الأمر وكيف انتقلت بين هذين النقيضين وبهذه الحدة؟!الإجابة تكمن فى كلمة واحدة.. الشغف، ذلك السحر الخفى الذى ينتقل بالعدوى، من يحملون الشغف بصدق فإنهم بالفعل يستطيعون نقله للآخرين بأفعالهم ومقالهم. فى هذا النموذج الذى ضربته وحدث معى بالفعل كان ذلك الشغف قد انتقل إلىَ عبر مقال قرأته كتبه أحد عشاق القهوة.
 
لم يكن المقال بليغا للغاية ولا كان يحمل معلومات مبهرة، لكن كان يحمل ذلك الشىء الذى أتحدث عنه.. كان يحمل الشغف.. شغفا حقيقيا وولعا صادقا تفجرت بهما سطور المقال ولفتت نظرى إلى أن شيئا سبب هذا الوله لكاتب المقال ينبغى أن يحتوى على ما هو أكثر من مجرد مرارة أو عقوبة غير مفهومة تفرض على المعزين لتنضم لألم الفراق وأحزان الوفاة! هنا قررت أن أجرب بنفسى وأستطلع حقيقة الأمر لكن فى مظانها السليمة، فلنجرب نوعا أصليا ولتكن نسبة البن الأرابيكا «وهو لمن لا يعلم أفضل خامات البُن» لتكن نسبته فيه مرتفعة للغاية، وبالفعل ذهبت إلى مكان معروف بأنه يقدم أفخم أصناف القهوة وتذوقت.. وهنا كانت البداية.. بداية الشغف ذلك الذى انتقلت شرارته عبر كلمات مكتوبة بُثت فيها الحياة من خلال وجود هذه الروح، وكذلك فى معظم الأمور التى نفعلها فى حياتنا.
 
الفارق بين وجود الحياة فيها من عدمه هو ذلك الشغف.. الدين أو الدنيا.. العمل أو الدراسة.. الزواج أو الصداقة أو سائر العلاقات الإنسانية.. الفكر والثقافة والأدب والفن.. الطعام والشراب واللذات والمتع الجسدية الموجودة فى أى شهوة خلق الله أصلها فى الإنسان، وأحل حلالها وحرم حرامها، كل ذلك حيويته وروحه تكمن فى الشغف.. أولئك الذين يملكون ذلك الشغف هم من يحدثون الفوارق الحقيقية ويصنعون النجاح الملحوظ فى تلك الأمور السالف ذكرها.. من يبثون طاقتهم الإيجابية فى أفعالهم وأقوالهم ويتعاملون مع تلك الأشياء التى هم شغوفون بها بحماس وروح يصرون على إبقاء جذوتها متقدة فتنعكس على تلك الأعمال والعلاقات والمعاملات التى تحتاج دوما لوجود ذلك الشغف.
 
من دون ذلك الشغف وجذوته ستجد الرتابة والملل.. ستجد التثاؤب والكسل.. ستجد أعمالا صورية تخلو من حقيقتها وعلاقات سمجة سطحية تقوم على شفا جرف هار من الفشل المتوقع.. ستجد تدينا سطحيا يفتقد الروح وعبادات تفتقر للحياة والحب، فقط واجبات روتينية والتزامات أثقل ما تكون على النفس وتباطؤ وتلكؤ وتكاسل يشوب أى حركة فقدت وقودها، فقدت الشغف الذى أعتبره وقود الحياة. هذا الوقود -على أهميته- يحمل درجة من الخطورة إن وُجد وإن فُقد وهذا ما أكمله فى المقال القادم إن شاء الله أن يظل لدى الوقود اللازم جنبا إلى جنب مع فنجان القهوة المتين.. وقود الشغف.  

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة