لم تهتم مواده بما يُعرف بحقوق المواطن الاتصالية والإعلامية وفى إنتاج مواد إعلامية
وافق البرلمان كله باستثناء أربعة نواب على قانون إنشاء ثلاث هيئات لتنظيم الإعلام المصرى، العام والخاص، ولاشك أنها خطوة متقدمة للغاية أن يكون لدينا هيئات تمثل المجتمع والحكومة، وتقوم بالإشراف على كل المؤسسات والأنشطة الإعلامية، وتضمن حرية الإعلام وحقوق المواطنين الاتصالية والإعلامية، لكن لى ملاحظات عديدة على هذا القانون سأكتفى فى حدود المساحة بست ملاحظات منها وهى:
أولا: أن البدء بإنشاء الهيئات الثلاث يشبه تمامًا اختيار حكام لمباراة كرة قدم، لديهم قواعد وقوانين يجب أن تُطبق على مؤسسات الإعلام المختلفة، وعلى اللاعبين وهم العاملون فى الصحف والإذاعة والتليفزيون والإعلام الجديد.. لكن الأمر الغريب أن اللاعبين أنفسهم ليس لديهم قواعد وقوانين تحدد تحركاتهم فى أرض الملعب، كما أن الملعب نفسه غير معد، فلا توجد قوانين وقواعد تنظم حقوق وواجبات الصحفى وعلاقته بالمؤسسة الإعلامية، التى يعمل بها، لأن القانون الجديد ألغى القانون 96 لعام 1996، كما ألغى قانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون رقم 13 لسنة 1979، لذلك فإن لجنة الخمسين، التى ضمت طيفًا واسعًا من الصحفيين والإعلاميين ونقابتى الصحفيين والإعلاميين قد اقترحت قانونًا موحدًا يضم حقوق وواجبات الصحفى وعلاقته بأصحاب الصحف والقنوات والمعلنين، ويضم أيضًا تشكيل وصلاحيات الهيئات الثلاث، التى نص عليها الدستور لتنظيم الإعلام.
ثانيًا: اختلف القانون عن مشروع قانون لجنة الخمسين، حيث قسمه إلى قانونين، لكن القانون الجديد حمل رؤية لجنة الخمسين وروحها، وهى رؤية تربط الإعلام بالسلطة مثلما كانت عليه الأوضاع فى الستينيات والسبعينيات، وبالتالى لا ترحب بالإعلام الجديد، ولا ترحب بالتعددية فى الإعلام أو دعم تحول ديمقراطى حقيقى فى الإعلام، لذلك لم تهتم بأوضاع الصحف والقنوات الخاصة وأوضاع العاملين فيها، واهتمت بالصحف القومية وماسبيرو دون أن تطرح رؤية أو أفكارًا جديدة لتطويرهما وضمان استقلالهما.
ثالثًا: منح القانون سلطات واسعة للهيئات الثلاث، خاصة المجلس الأعلى للإعلام، ومع ذلك لم يضمن استقلالهم المالى والإداري، لأن تشكيل المجلس الأعلى يخضع للسلطة التنفيذية أكثر من السلطتين التشريعية والقضائية، كما أن المصدر الرئيسى لتمويل الهيئات الثلاث يأتى من الحكومة، وكان من الأفضل تحديد نسبة ثابتة من الموازنة العامة بحيث لا تتأثر بالهوية السياسية لكل حكومة، علاوة على تأمين مصادر أخرى، مثل نسبة من الإعلانات أو من رسوم سنوية لتجديد تراخيص الصحف والقنوات والإذاعات.
رابعا: تتمتع الهيئات الثلاث بسلطات واسعة، ومع ذلك لم يمنح البرلمان سلطة محاسبتهم، وهو أمر معمول به فى بعض تجارب التحول الديمقراطى، حيث يقوم البرلمان نيابة عن الشعب بمراقبة ومحاسبة الهيئات المنظمة للإعلام، التى تشرف عليه.
خامسًا: لم تهتم مواد القانون بما يُعرف بحقوق المواطن الاتصالية والإعلامية، وحقه فى التفاعل وإنتاج مواد إعلامية، وإنما أكدت على دوره التقليدى فى التلقى السلبى للمواد الإعلامية التى تقدم له، وهو أمر غير منطقى يتعارض مع الفرص الهائلة، التى توفرها تكنولوجيا الاتصال.
سادسًا وأخيرًا: أهمل القانون إشراك الشباب فى الهيئات الثلاث، فلم ينص على تحديد نسبة ما للشباب أقل من 30 سنة، كى يتم اختيارهم من بين أعضاء نقابتى الصحفيين والإعلاميين فى الهيئات الثلاث، لذا أرجو أن يتم تدارك هذه الأمور عند تسمية أعضاء الهيئات الثلاث أو عند إصدار اللوائح التنفيذية.
فى الختام، أرجح أنه لن يؤخذ بملاحظاتى أو ملاحظات الآخرين، لأن العجلة دارت والقانون صدر من البرلمان بنسبة تقترب من الإجماع، لكن أتمنى على العقلاء فى البرلمان والحكومة التفكير فيما طرحته، والإسراع بإصدار قوانين الصحافة والإعلام حتى تكتمل الدائرة، ويعرف العاملون بالإعلام ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات، كذلك لابد من استقلال الهيئات الثلاث، وفى الوقت نفسه إخضاعهم لرقابة ومحاسبة البرلمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة