خلال وجودى فى الكويت الأسبوع الماضى لمتابعة انتخابات مجلس الأمة، جمعتنى وأصدقاء صحفيين مصريين جلسة نقاشية مطولة مع أحد رؤساء التحرير القطريين وقريب من الديوان الأميرى، حيث دار النقاش حول العلاقات المصرية القطرية.
هذه الجلسة كانت قبل أن تعلن قناة الجزيرة القطرية عن فيلمها البذىء عن القوات المسلحة المصرية، والذى أكد للجميع أن قطر لن تتوقف عن سياساتها العدائية ضد مصر وشعبها وجيشها، لأن كره آل ثان فى الدوحة لمصر وصل إلى مرحلة لا يمكن تصورها.
الرجل كما قال لنا يعتبر نفسه من العاشقين لمصر التى درس بها فى جامعة القاهرة، وله ذكريات متعددة فى الكثير من المدن المصرية، الإسكندرية وأسوان والأقصر ومرسى مطروح، ومدن أخرى، ورغم أنه يعيش الكثير من أوقاته ما بين الولايات المتحدة وقطر، فإنه لم ينسَ مصر، ويتردد عليها كلما اشتاق لها، لكنه منذ أكثر من ثلاثة أعوام لم يأت لمصر، خوفًا من أى تجاوزات ضده، كما قال لنا، لأنه سمع من قطريين زاروا القاهرة أنهم شهدوا معاملة قاسية منذ وصولهم مطار القاهرة لأنهم قطريون.
بعد هذه المقدمة الطويلة اتخذ الرجل منحى آخر، ناتجًا عن طبيعة علاقته بالأسرة الحاكمة فى الدوحة، فمصر فى وجهة نظره تسير فى الطريق الخاطئ، خاصة فى علاقاتها الخارجية، ومع قطر تحديدًا، فكيف لدولة كبيرة مثل مصر تظل تشكو من دولة صغيرة مثل قطر، كما قال، مردفًا حديثه بالقول: «عيب أن مصر بكل ما لديها ترمى بكل مشاكلها على قطر»، هو يتحدث دون أن يأخذ فى اعتباره- أو يريد أن يتناسى- ما تقدمه الدوحة من دعم مالى وسياسى للجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، فحينما تحدثت معه فى هذه الجزئية رد بأنها اتهامات ليست ثابتة، ولا يمكن التيقن منها، وهنا كان الرد من جانبنا، بأن إيواء قطر قيادات «الإرهابية» هو خير شاهد ودليل، دون حتى الخوض فى الدعم المالى الذى تغدق به المخابرات القطرية على الكيانات الوهمية الموجودة فى لندن وتركيا، والتى يترزق منها بعض الشخصيات، مثل أيمن نور، وعبدالرحمن يوسف القرضاوى، ومحمد محسوب، وغيرهم ممن ارتضوا الارتماء فى أحضان المخابرات القطرية من أجل حفنة دولارات.
عند هذه النقطة ظهر لدى محدثنا القطرى وجهه الحقيقى الذى كان يخفيه وراء ستار وشعار اسمه حب مصر، فمبرره لإيواء الإخوان أن فى هذا فائدة لمصر، فبدلًا من أن يبقوا فى القاهرة، ويسببوا أزمات للنظام الحالى، فضلت الدوحة استضافتهم، وزاد على ذلك بقوله: «لازم تشكروا قطر أنها ريحتكم من الإخوان، ولا تنسوا أن الإخوان هم صنيعة مصرية وابتلى العالم بهم»، وهنا أخذ الحوار منحى آخر، فنحن لسنا أمام شخص محب لمصر كما قال لنا فى البداية، إنما نتحدث مع شخص يتفنن فى تبرير سياسات دولته، حتى وإن رآها خاطئة، فهو فى كثير من الأوقات كان يقول لنا إنه فى أحوال متعددة لا يتفق مع سياسات قطر، لكنه يعود مرة أخرى مدافعًا عنها. ذكرت محدثى القطرى بكل ما تفعله قطر، ليس مع مصر فقط، وإنما مع كل الدول العربية، لكن الرجل فاجأنا بقوله: «وإيه الغريب فى كل ما تقوله، نحن ننفذ ما نعتبره مفيدًا لنا، ولكى نغلق هذا الملف، لابد أن تفهموا بأن الأمر ليس فى أيدينا، وإنما فى يد الكفيل»، فسألته ومن هو الكفيل، فأجاب: «الكفيل هو الولايات المتحدة الأمريكية»، فقولت له وهل أنتم تتباهون بأن الكفيل الأمريكى يجركم كيفما شاء، فأكمل الرجل حديثه بقوله: «هل تتخيلون أنه بدون حماسة الكفيل كانت قطر هى الدولة الأولى فى العالم إنتاجًا للغاز الطبيعى، مما منحها موارد مالية خرافية، وهل تتخيلون أن قطر بدون الكفيل الأمريكى كانت تستطيع استخراج الغاز دون إزعاج من جيرانها، سواء الخليجيون أو إيران، بدون الحماية الأمريكية لاحتلتنا إيران كما فعلت العراق فى الكويت من قبل».