من المؤكد أن الحل الحقيقى لفتاوى التطرف يأتى من ضرورة تجديد الخطاب الدينى، وهى الدعوة المستمرة للرئيس عبدالفتاح السيسى للمؤسسات الدينية الكبرى وعلى رأسها الأزهر الذى يتحمل عبئا كبيرا باعتباره المرجعية الدينية الرسمية الأكثر أهمية فى مصر، ولا أبلغ إذا قلت فى العالم الإسلامى كله، والمؤسف أنه فى الوقت الذى ندعو فيه ضرورة محاربة التطرف فإن مناهج التدريس بجامعة «الأزهر» التى تعد أكبر مرجع دينى سنى فى العالم، مازالت تدرس كتب من قبيل كتاب «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»، لمؤلفه محمد بن محمد الخطيب الشربينى شمس الدين. وفى هذا الكتاب نقرأ أنه «يجوز قتل المسلم تارك الصلاة والزانى المحصن والمرتد، وأكل لحمه نياً، لكن لا يجوز طبخه أو شيّه، كما يجوز قتل أعداء الإسلام بذبحهم مثل خراف الأضاحى».
هذه الرؤية المتشددة يروج لها الأزهر الذى حتى الآن نعتبره هو نموذج الوسطية فى العالم الإسلامى والتى تأثر بها قيادات إخوانية وداعشية منهم سيد قطب وهو ما جعل باحثا، مثل ماجد الغرباوى يرى أن مفهوم التشبع بالكراهية تجاه الآخر هو نبع إخوانى، فسيد قطب، مثلا، نظّر بكثافة مروّعة لمفاهيم خطيرة كانت وراء اقتحام الموت والاستهانة بالحياة، وعدم التفكير بتداعيات الفعل الإرهابى على مستقبل المسلمين والعقيدة الدينية، كمفهوم الحاكمية الإلهية التى أدان بموجبها جميع الحكومات، وبرر إسقاطها بالعنف. وكذلك مفهوم جاهلية المجتمع، ذلك المفهوم الخطير الذى أدان به جميع الشعوب المسلمة، واعتبرها «جاهلية»، منبوذة، يجب تقويمها ولو بالقوة، من هنا تجد المتطرفين فى ممارساتهم للقتل لا يكترثون لحيثية الإنسان ولو كان مسلما، فسيد قطب إذاً لم يكتف بتكفير الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة، وإنما شملت إدانته كل المجتمعات الإسلامية. يقول فى كتابه معالم فى الطريق: «نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية. تصورات الناس وعقائدهم، عادتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم، وآدابهم، شرائهم، وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجعة إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية. فهى مجتمعات مدانة بنظر «سيد قطب»، لا تتصف بصفات إسلامية، وعليها العودة إلى الإسلام، والإقرار بعقيدة لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى الذى يعنى «لا حاكمية إلا حاكمية الله» كشرط أساس لإسلامها ، وإلا فتشملها أحكام الجاهلية، مما يبرر هجرتها وربما قتالها حتى تفىء لأمر الحاكمية الإلهية.
يقول سيد قطب: «كذلك ينبغى أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين، يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة، حتى لو كانوا يدّعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون! يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو «أولاً» إقرار عقيدة: «لا إله إلا الله»، بمدلولها الحقيقى، وهو رد الحاكمية لله فى أمرهم كله، كما يجب عليهم تحمل مسؤولياتهم «وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحـق لأنفسهم، إقرارها فـى ضمائرهم وشعائرهم، وإقرارها فى أوضاعهم وواقعهم.
ولا يخفى مدى خطورة مفهوم المجتمع الجاهلى كما ينظّر له سيد قطب فى مؤلفاته التى تشكل رؤية دينية سياسية تنظيمية يعمل فى إطارها «الإخوان المسلمين»، التنظيم السياسى الذى كان ينظـّر له سيد قطب خاصة. فتصوّر هل يمكن قيام مجتمع متسامح فى ظل خطاب تكفيرى يعتبر المجتمع الإسلامى الراهن، مجتمعا جاهليا تجرى عليه أحكام الجاهلية إبان الدعوة الإسلامية؟ أى يجب التعامل معه على أساس أنه مجتمع كافر معاد للإسلام والرسالة، سلوكا وعقيدة. فسيد قطب يرى: «إن العالم يعيش اليوم كله فى جاهلية من ناحية الأصل الذى تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادى الفائق! وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة