يبدو أن معالى الأمين العام لمجلس التعاون، الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، آخر من يعلم، أو ربما يتناسى من هو راعى الإرهاب الأول فى المنطقة، ففى بيان صادر عن الأمانة العامة قال: "إن التسرع فى إطلاق التصريحات دون التأكد منها، يؤثر على صفاء العلاقات المتينة بين مجلس التعاون وجمهورية مصر العربية"، مضيفًا أن "موقف دول مجلس التعاون جميعها من الإرهاب ثابت ومعروف، وقد أدانت دول المجلس جريمة تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، مؤكدة تضامنها ووقوفها مع الشقيقة مصر فى جهودها لمكافحة التنظيمات الإرهابية، فأمن مصر من أمن دول مجلس التعاون".
وإذا كان حديثه جديًا حقًا عن أن "أمن مصر من أمن دول مجلس التعاون" بحسب بيان معاليه، فكان ينبغى على الزيانى أن يفكر مليًا فى الإعلان الواضح والصريح من جانب الرئيس السيسى عن اسم الانتحارى "محمود شفيق"، بعد 24 ساعة فقط من انفجار الكنيسة البطرسية، خاصة أن تحقيقات النيابة أثبتت تورط قطر فى إطار تمويلها لعمليات الإرهاب فى المنطقة، هذا إذا كان يريد معاليه: "ضرورة التواصل فى مثل هذه القضايا الأمنية، وفق القنوات الرسمية لتحرى الدقة، قبل نشر بيانات أو تصريحات تتصل بالجرائم الإرهابية، لما فى ذلك من ضرر على العلاقات العربية - العربية"، بحسب نفس البيان.
معالى الدكتور الزياني، إذا أردت حقًا أن تعلم أسرارًا فى دهاليز الإرهاب فابحث عن قطر، فهى شريك أساسى فى لعبة تمزيق المنطقة العربية وإسقاط الدول، ولطالما بقيت علاقة قطر بالتنظيمات الجهادية المتطرفة موضع تساؤل وجدلا واسعا، إذ لم يقتصر الأمر على خلاف بينها وجيرانها فى دول الخليج بشأن دعمها للإخوان المسلمين، ولم يقف عند حد اتهامات ظنها البعض نكاية من مصر لجارتها العربية التى طالما شنت أذرعها الإعلامية انتقادات غير مبررة ضد الدولة المصرية، لكننا نقف أمام الكثير مما كشفه حلفاء الدولة الخليجية الصغيرة فى الغرب، ولا سيما داخل المملكة المتحدة وحتى من قبل واشنطن.
لقد أثبتت الشهور القليلة الماضية، إن العالم كله يعرف جيدًا -إلا أمين عام مجلس التعاون الخليجى- من يدعم الإرهاب فى الشرق الأوسط، وتحديدًا فى مصر، وهنالك العديد من المواقع ومراكز الأبحاث والدراسات الدولية التى تكتظ بالتفاصيل عن "ماذا فعلت قطر فى مصر والمنطقة والعالم"، وفى هذا الصدد أحيلك إلى النائبة "دولسي" عضو مجلس النواب الأمريكى عن الحزب الديمقراطى (حزب أوباما) حيث قالت نصًا إن "أمريكا وقطر والسعودية يمولان الإرهاب فى مصر وسوريا والعراق وليبيا، كما تشير وثيقة صادرة عن "وكالة الأمن القومى الأمريكى" تقول: هناك خزانة للتنظيمات الإرهابية مثل: "فجر ليبيا - النصرة فى سوريا – بوكو حرام فى نيجريا ومالي" يودع بها 90 مليون دولار شهريًا من الحكومة القطرية، عن طريق أربعة بنوك أمريكية، تقوم بتحويل الأموال عبر فروعها فى المراكز المالية للتنظيم - كل فى بلده - فى صورة تبرعات، و27 حسابًا بنكيًا أخرى للاجئين فى سوريا يتم تمويلهم عن طريق قطر وتركيا.
وإليك معالى الأمين العام وثيقة منسوبة للسفير القطرى فى ليبيا عام 2013 تتحدث عن إرساله أعداد من المقاتلين المرتزقة فى معسكرات SCG بجوار "مطار معيتيقة الدولى"، والوثيقة تقول إن 1800 مقاتل أنهوا تدريباتهم فى معسكرات " الزنتان - بنى غازى - الزاوية - مصراتة" يتم إرسالهم على 3 دفعات إلى تركيا ومنها للعراق عبر إقليم كردستان، أليس هذا دعمًا صريحًا للإرهاب؟، ثم ما معنى قول مجلة "لوكانار أنشين" الفرنسية: قطر تقوم بتمويل المسلحين من المتمردين فى كل من ليبيا والصومال ومالي، والدليل أن الأحداث الأخيرة التى وقعت فى مالى تشير إلى تورط قطر فى تدريب وتسليح الانفصاليين فى مالى، وأشارت نفس المجلة إلى أن قطر تقوم بتمويل الجماعات المسلحة مثل "أنصار الدين – أزواد - الجهاد فى غرب أفريقيا - القاعدة فى المغرب الإسلامى - المساواة والاستقلال فى الجزائر والمغرب".
وهنالك بعض الصحف البريطانية التى تحدثت عن تمويل قطر للجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط وعلى رأسها صحيفة "تليجراف" البريطانية، التى كتبت تقريرًا تحت عنوان: "الدوحة تستثمر ملايين الدولارات فى لندن من أجل حصد مزيد من الأرباح لتزويد هذه الجماعات الإرهابية" والذى ذهب إلى أن قطر تمول جماعة "فجر ليبيا" التى تعد حليفًا قويًا لأنصار الشريعة، والمسئولة عن مقتل السفير الأمريكى فى بنى غازى 2011، وأضافت أن قطرأيدت "جماعة أحرار الشام" فى سوريا، والتى أعلنت ولائها للبغدادى تحت قيادة داعش.
ونفس الصحيفة قالت صراحة إن الإرهاب يمول من الأسرة الحاكمة فى قطر، وكشفت عن إدانة عبد العزيز بن خليفة العطية –ابن عم وزير الخاريجية القطرى خالد بن محمد العطية– وتم الحكم عليه فى لبنان غيابيا، ولكن أفرجت عن السلطات فى بيروت بضغوط من الحكومة القطرية، الأمر الذى يتسق مع تقرير الصحفى البريطانى "روبرت مينديك" الذى قال: "هناك مواطنون قطريون كثر كانوا أحد ممولى هجمات 11 سبتمبر" مثل خالد محمد تركى السبيعي" والذى دعم ماليًا خالد شيخ محمد، وبالمناسبة كشفت وثائق نشرتها وزارة الخزانة الأمريكية، عن وجود صلات بين السبيعى وممول إرهابى اِتُّهم بتمويل فرع تنظيم القاعدة فى سوريا، لتنفيذ عمليات تفجير طائرات مسافرين باستخدام متفجرات داخل عبوات معجون الأسنان.
ما كشفته الصحافة الغربية والوثائق ليست مجرد إدعاءات لكنها حقائق موثقة، وأكدها مسئولون غربيون وكبار الصحفيين، وعلى رأسهم الصحفى الأمريكى المخضرم "سيمور هيرش" الذى كشف فى أبريل الماضى عن وثائق أمريكية تفصح عن المدى الكامل لتعاون الولايات المتحدة مع تركيا وقطر فى مساعدة المتمردين الإسلاميين فى سوريا، وقال "هيرش" فى مقال بمجلة "لندن ريفيو أوف بوكس": إن إدارة أوباما أسست ما تسميه وكالة الاستخبارات المركزية بـ"خط الجرزان، وهى قناة خلفية للتسلل إلى سوريا، وتم تأسيس هذه القناة بالتعاون مع قطر وتركيا فى 2012 لتهريب الأسلحة والزخائر من ليبيا عبر جنوب تركيا ومنها إلى الحدود السورية حيث تتسلمها المعارضة.
خلاصة ما يرمى إليه الصحفى الأمريكى الشهير، أن المستفيد الرئيسى من هذه الأسلحة كان الإرهابيون، الذين ينتمى بعضهم مباشرة لتنظيم القاعدة، وهو أيضًا ما يؤكد العلاقة الوطيدة بين الدوحة والجماعات المتطرفة فى ليبيا التى سيطرت على مخازن الأسلحة عقب سقوط القذافي، موضحًا أن اتفاقًا سريا عقده أوباما وأردوغان أوائل 2012، يخص ما يوصف بـ"خط الجرزان"، وينص الاتفاق على أنه بتمويل تركى وقطرى ودعم من الـCIA والاستخبارات البريطانية الخارجية MI6، يتم الحصول على أسلحة خاصة بترسانة القذافى، بواسطة قطر ونقلها إلى سوريا، ويشير الصحفى الأمريكى إلى أن هذا يكمن وراء الأسباب الخفية لتراجع الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن شن ضربة عسكرية على سوريا، سبتمبر 2013، مؤكدًا تورط تركيا فى الهجوم الكيميائى على مدينة الغوطة فى أغسطس.
إذن نحن أمام قائمة كبيرة من الأدلة والوثائق الدامغة التى تدين قطر، وتورطها فى محاولات تخريب مصر ودول المنطقة، بمساندة تركيا وأمريكا، ومن ثم أختتم بكلمات الإمام على - كرم الله وجهه – قائلاً:
ليس البليّة ُ فى أيامنا عجباً
بل السلامة فيها أعجب العجب
لَيْسَ الجَمَال بأَثْوابٍ تُزَيِّنُنَا
إن الجمال جمال العلم والأدب
ليس اليتيم الذى قد مات والده
إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلْمِ والأَدَب".