فى ظل حالة الزخم التى يشهدها المجتمع الدولى حول الأزمة فى سوريا عقب الإنتصارات التى حققها الرئيس بشار الأسد فى تحرير حلب من يد الإرهابيين، ومساعى مجلس الأمن فى استصدار قرارات تدعم جهود مكافحة الإرهاب وتضمن خروج المدنيين المحاصرين دون المساس بهم وإيصال المساعدات الإنسانية لهم، قامت الأمم المتحدة بالسير عكس الإتجاه بدفع من بعض الدول الإقليمية التى تم تهميشها من الأزمة مؤخرا.
فريق عمل أممى "جرائم حرب" فى سوريا
الأمم المتحدة تبنت مساء أمس قرارا يدعو إلى تشكيل فريق عمل حول "جرائم حرب" ارتكبت فى سوريا، تمهيدا لملاحقة المسؤولين عنها، ويشير القرار إلى أن فريق العمل سيقوم بتنسيق وثيق مع لجنة تحقيق شكلتها الأمم المتحدة فى 2011 وأحالت العديد من التقارير المفصلة بفظاعات مرتكبة منذ بداية النزاع فى سورية الذى أوقع أكثر من 310 آلاف قتيل.
ليس الغريب محاولة الأمم المتحدة للتحقيق فى الجرائم التى تم ارتكابها ضد المدنيين فى سوريا خلال الحرب التى كان يقودها النظام ضد ميليشيات مسلحة، وإنما عدة نقاط تثير الدهشة أولها التوقيت الذى تم التقدم فيه بهذا القرار والذى تمت مناقشته فى نفس وقت انعقاد مجلس الأمن لبحث قرارا حول ترتيب الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، مما يضع علامات استفهام حول جدوى هذا القرار ومدى تعارضه مع جهود مجلس الأمن.
والأمر الثانى هو الدولة التى تقدمت بهذا القرار للأمم المتحدة وأشرفت على صياغته وهى إمارة ليختنشتاين الأوربية والتى لم يسبق اقتران اسمها بأى من قضايا المنطقة العربية والشرق أوسطية، مما يعد مؤشرا على عدم اهتمامها بما يحدث من الأساس، إلا أن هذا الاستغراب يزول بعد الإعلان عن أن القرار لتلك الإمارة الأوربية مدعوما من دولة قطر ولقى ترحيبا سعوديا، مما يوحى بأن هذا المحور الخليجى والمعروف بانحيازاته فى الملف السورى للمعارضة المسلحة قدم الإمارة الأوربية لتكون فى الواجهة بتقديم القرار بإسمها فى الأمم المتحدة.
ثغرات قانونية
القرار الذى صوتت عليه الأمم المتحدة بأغلبية أمس به ثغرات قانونية تجعل منه انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وسيادة سوريا وفقا لما أكده مندوبو سوريا وإيران فى الأمم المتحدة، حيث قاموا بتفنيد مدى تعارضه مع الجهود الدولية المبذولة فى سوريا، وأكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفرى أن ما تضمنه مشروع القرار الذى قدمته قطر وليشتنشتاين يثبت فجوة بين النهج والتطبيق ويعكس النية المبيتة لدول العدوان على سورية – على حد تعبيره - ويقوض فرص الحل السياسى وإجراءات المصالحة الوطنية.
وأضاف الجعفرى خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة أن مشروع القرار لا يصب فى مصلحة مكافحة الإرهاب وإنما تمدده.. وأشار إلى أن السياسات الخاطئة لبعض الدول كانت نتيجتها وصول الإرهاب إلى قلب ومدن وعواصم الدول الأوروبية، وشدد على أن إنشاء مثل هذه الآلية يقتضى تفويضا من الأمين العام للأمم المتحدة بعد موافقة الحكومة السورية.
القرار يطرح تساؤلات عديدة حول من سيقع تحت طائلته فى الوقت الذى أكدت فيه جهات عديدة أن الميليشيات المسلحة فى سوريا ارتكبت جرائم حرب بتشجيع من الدول التى تمولها سواء اقليميا أو دوليا.
ومن أحدث تلك التقارير ما صدر فى يوليو الماضى من منظمة العفو الدولية واتهمت خلاله فصائل مسلحة مقاتلة فى محافظتى حلب وادلب فى سوريا بارتكاب "جرائم حرب" من خطف وتعذيب وقتل خارج إطار القانون، داعية الدول التى تدعمها الى الامتناع عن تسليحها.
سلوك الجماعات المسلحة
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا فى منظمة العفو الدولية فيليب لوثر : "يحيا الكثير من المدنيين فى ظل خوف دائم من التعرض للاختطاف إذا تجرأوا على انتقاد سلوك الجماعات المسلحة الممسكة بزمام الأمور، أو فى حال عدم تقيدهم بالقواعد الصارمة التى فرضتها بعض تلك الجماعات فى مناطقهم".
وأضاف لوثر : "للجماعات المسلحة فى حلب وادلب اليوم مطلق الحرية فى ارتكاب جرائم حرب وغير ذلك من خروقات القانون الإنسانى الدولى مع إفلاتها من العقاب"، وبحسب التقرير، يعتقد ان بعض تلك الفصائل يحظى بدعم دول مثل قطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة.
وتطرق التقرير الى انتهاكات ارتكبتها خمسة فصائل إرهابية وهى “حركة نور الدين زنكى والجبهة الشامية والفرقة 16″ فى حلب، و”جبهة النصرة وحركة أحرار الشام فى ادلب”.
هذا فى الوقت الذى نشرت فيه مجلة دير شبيغل الألمانية الأسبوعية تقريرا منذ أشهر يؤكد أن السعودية تزود المجموعات الإرهابية المسلحة فى سورية بصواريخ مضادة للطائرات، وقالت فى مقال ذكرت انه يستند إلى تقرير سرى لجهاز الاستخبارات الأجنبية الألمانية والحكومة الألمانية: إن السعودية تدرس إرسال صواريخ مانبادس مسترال أوروبية الصنع والتى تعرف باسم أنظمة الدفاع الجوى المحمولة.
وفى نفس الإتجاه سبق للصحفى الأمريكى سيمون هيرش نشر تحقيقا صحفيا فى مجلة "لندن رفيو اوف بوكس" اتهم خلاله جبهة "النصرة" بالوقوف خلف استخدام هذه الاسلحة فى غوطة دمشق الشرقية، وانها حصلت عليها من السلطات التركية، وتوصل الى هذا الاتهام من خلال مقابلات مع فريق الامم المتحدة الذى حقق فى هذا الاستخدام، وكشف عل جثث الضحايا والمصابين وقدم تقريره الذى يؤكد هذا الاستخدام ولكن كان ممنوعا على خبرائه توجيه الاتهام الى أى جهة.
ومن الأدلة الأخرى التى استند اليها تقرير معهد بريطانى متخصص فى هذه الأسلحة أرسل نسخة منه الى الادارة الامريكية يشير الى ان السلاح الكيماوى المستخدم فى الغوطة الشرقية وقبلها فى بلدة خان العسل لا يتطابق مع نوعية السلاح الكيماوى الموجود لدى النظام السوري.
فإذا كانت الأمم المتحدة قالت من خلال التصويت على هذا القرار بأنها تدافع عن حقوق الإنسان وترغب فى التصدى للجرائم ضد الإنسانية، فهى الآن منوطه بتحرى الدقة فى استقائها للمعلومات حول ماهية الجرائم التى أُرتكبت على مدار 6 سنوات بأسم البحث عن الديمقراطية، ومن وقف مساندا وداعما لمن أرتكب هذه الجرائم، ومحاسبة المسئول الحقيقى عن تفشى الإرهاب فى سوريا وتصديره للعالم.