لست أدرى كيف يستطيع الإرهابيون إقناع شخص مقبل على الحياة بقتل أبرياء بغير حق من خلال زرع المتفجرات فى طريقهم أو أماكن تجمعاتهم، أو من خلال ارتداء حزام ناسف مع ما يقتضيه من أن يموت معهم؟! كيف جرى إقناع هذا الفتى العشرينى، الذى كان ينبغى أن يكون على مقعد دراسته أو جنديًّا يذود عن وطنه ويسعى لنهضته، أن يفجر نفسه بين نساء وأطفال أبرياء يؤدون صلاتهم فى أمان وسكينة؟! كيف استطاعوا أن يقنعوا ضابطًا فى ريعان شبابه أن يقتل بدم بارد السفير الروسى فى أنقرة، والأغرب من ذلك ما بدا عليه من ثبات انفعالى وهو يلقى خطبته، التى هى أشد إيلامًا من واقعة القتل ذاتها، لما انطوت عليه من إساءة للإسلام ورسوله الكريم؟! فلست أدرى عن أى مبايعة كان يتحدث، وبأى جهاد كان يهذى، وأى انتصار حققه ليكبر ثلاثًا! ومثل هذا يقال عن قاتلى جنودنا فى سيناء وغيرها، وعن قاتلى المدنيين فى شوارع المحروسة ومحافظاتها، بل فى العالم أجمع.
ولست أدرى لماذا لم يسأل هؤلاء المغرر بهم من يقنعونهم بالسير إلى الهلاك بهذا الثبات لمَ لم يفعلوا ذلك بأنفسهم ليدخلوا الجنة كما يدعون بدلًا من الشباب الذين يفجرون أنفسهم؟! لماذا لم يفكر هؤلاء الشباب فى سر الدفع بهم إلى الهلاك مع بقاء الدافعين لهم يتنقلون فى الفنادق الفخمة وينعمون برغد العيش دون أن يفكر أحدهم فى ارتداء حزام ناسف يقرب بينه وبين حوريات الآخرة كما يزعمون بعد أن أخذ نصيبه من حوريات الدنيا؟! هل استطاع هؤلاء المجرمون إقناع الفتى المقتنَص من أنقاض الفقر والجهل والتفكك الأسرى والبطالة بأن قتل نفسه نوع من إيثاره على نفوس من أقنعوه ودربوه وحزموه بحزامه الناسف أو حمَّلوه بقنابله المتفجرة ليزرعها، حيث طلبوا منه؟! هل أقنع هؤلاء شبابهم المتفجر بأن ما يقومون به جهاد، وأن ما يلحق بهم شهادة فى سبيل الله؟! وإذا كان ذلك كذلك فعلًا، فأين أدلتهم التى استدلوا بها لإقناع هؤلاء الشباب بذلك، فنحن لا نجدها لا فى كتاب ربنا ولا فى سنة رسولنا ولا فى بقية مصادر الاستدلال، التى نعلمها من كتب الأصول؟!
أيها الشباب الذين اقتنعتم بكفر المجتمع فقمتم بما ترتكبونه من جرائم، ألم تقرءوا أو تسمعوا قول الله تعالى: « وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»؟! ألم تعلموا أن بعض من آمنوا بالإسلام سرًّا ولم يتمكنوا من الهجرة وبقوا بمكة مع أن غالبية أهلها من الكفار، كان وجودهم بمكة سببًا فى منع القتال فى الحديبية بنص هذه الآية؟! فهل تأكدتم أيها الشباب المغرر بكم أن مجتمعنا وغيره من المجتمعات ليس به مؤمن واحد، وأن متفجراتكم لن تنال مؤمنًا بالله بين من تقومون بقتله؟! أمَا علمتم أن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - كان يحرم الإغارة على بلد يناصب المسلمين العداء ويستعدون لقتاله لردعه متى سمع صوت أذان يخرج من بين بيوت من حُشدت الحشود لقتالهم؟ فهل صُمَّت آذانكم عن مكبرات الصوت التى تصدح بالأذان خمس مرات وتكاد تُسمع من لا يسمع؟! هل أيقنتم أن حشود المصلين فى بلادنا كفار، مع أن رسولنا الذى ترددون اسمه وترتكبون فظائعكم وفاء بعهده على زعمكم، أمرنا أن نشهد للمترددين على المساجد بالإيمان؟!
أيها الشباب الذين اقتنعتم بأن عُمَّار الكنائس لا حرمة لهم ولا لكنائسهم، بماذا برر لكم مقنعوكم أوامر كتاب الله بالوفاء بعهود أهل الكتاب والبر بهم؟! وكيف فسروا لكم وصايا رسولنا بأقباط مصر خيرًا، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهَ اللهَ فى قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا فى سبيل الله»؟! وبماذا برروا لكم عقد رسولنا لمعاهدات سلام مع قبائل اليهود بالمدينة والتزامه التام بها حتى نقضوها هم؟! وبماذا أجابوكم عن قول رسولنا: «من قتل معاهدًا لم يُرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفًا»؟! وإذا كان هذا فى حق المعاهد، الذى قد يكون من دولة محاربة لنا أو بيننا وبين بلده هدنة مؤقتة، فكيف بالمواطن غير المسلم الذى له ما لنا من حقوق وعليه ما علينا من واجبات؟! هل أنتم أحرص على الإسلام من رسول الإسلام، الذى اعتبر إيذاء غير المسلم الذى لا يحاربنا إيذاء له؟! وهل علمتم أن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - أمر بهدم كنائس الحبشة بعد أن أسلم النجاشى؟! وهل سمعتم أن عمرو بن العاص هدم كنيسة من كنائس مصر ، التى تفجرونها أنتم اليوم، أو أن صحابيًّا من الصحابة الذين فتح الله على أيديهم الأقطار أو كانوا ولاة عليها فى عهد رسولنا الكريم أو بعده، أمر بهدم كنيسة أو معبد أو قتل قسيسًا أو كاهنًا أو مواطنًا غير مسلم لا يقاتل المسلمين؟! وهل أنتم أشجع من الفاروق عمر - رضى الله عنه - أو أكثر إيمانًا أو فهمًا للدين منه وقد رفض الصلاة داخل الكنيسة خشية أن نطالب بها بعده؟!
أيها الشباب، إن الله منحكم عقولًا ميزكم بها عن سائر الحيوانات، وأمركم بالتفكر والتدبر، ونهاكم أن تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فلا تنخدعوا بمعسول كلام هؤلاء المجرمين الذين يزجون بكم فى موارد التهلكة وهم يعيشون رغد الحياة بعيدًا عن المخاطر، ولا يعتقدون بكلمة مما يقولونه لكم، ولكنهم يعلمون أنه يستهويكم ويكفى لتخديركم وإذهاب عقولكم الحديث عن الجنة الموعودة والحور العين من خلال هذه الأعمال الإجرامية التى لا يقرها دين صحيح ولا يقبلها عقل سديد ولا تستسيغها فطرة سليمة، فيجتمع لكم عذاب الدنيا بألم الموت تفجيرًا، وعذاب الآخرة لقتلكم أنفسكم منتحرين وقتلكم غيركم بغير حق، ولعلكم سمعتم يومًا قول رسولنا: «مَن قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجَّأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا فيها أبدًا. ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يتحسَّاه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.. ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»، فمن أين لكم أن نتيجة ما ترتكبونه من جرائم هى الفوز بالحور العين والفردوس الأعلى؟!
