كان الدكتور مصطفى الحفناوى وسط مزرعته حين فوجئ باستدعاء عاجل له فى مساء يوم 23 يوليو 1956 من الرئيس جمال عبدالناصر، وفى اللقاء أبلغه «عبدالناصر» بقراره الذى سيعلنه بعد ثلاثة أيام «26 يوليو» وهو تأميم قناة السويس، كان الخبر محوطا بتكتم شديد، فشعر «الحفناوى»، كما يقول، بأن «إطلاع عبدالناصر له على هذا السر هو أكبر عزاء لشخصى الضعيف»، حسب كتابه الضخم والعمدة فى مجاله «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» الذى أصدرته الهيئة العامة للكتاب فى أربعة أجزاء.
لماذا اختار جمال عبدالناصر هذا الرجل تحديدا كى يستدعيه من وسط زراعته بالريف؟ ولماذا شعر الرجل بأن ما حدث معه هو «أكبر عزاء لشخصه الضعيف»؟ الأسئلة تتجدد مع الذكرى الستين لقرار تأميم قناة السويس الذى أدى إلى العدوان الثلاثى وانتصار مصر عليه، ولأن قرار التأميم يظل واحدا من أعظم القرارات الوطنية لمصر فى تاريخها الحديث، ولأنه ساهم فى تغيير شكل العالم فى النصف الثانى من القرن العشرين، فمن الضرورى من أجل إحياء الذاكرة الوطنية أن نتوقف أمام كل من ساهم فى هذه الملحمة العظيمة، خاصة هؤلاء الذين كانوا فى الظل رغم عظمة مساهمتهم، ومن هؤلاء الدكتور مصطفى الحفناوى الذى اشتهر أكثر بسبب مشهد خاص به جاء فى فيلم «ناصر 56»، حين تم شحنه فى بوكس شرطة من وسط مزرعته وهو يرتدى الروب كى يقابل جمال عبدالناصر.
ولد «الحفناوى» فى محافظة الشرقية، وانتمى فى شبابه إلى الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل عام 1907، والتحق بكلية الحقوق جامعة «فؤاد الأول» عام 1935، وحين وقعت حكومة حزب الوفد برئاسة مصطفى النحاس معاهدة 1936 أصدر كتابا يفند المعاهدة، ويؤكد أنها لا تعطى مصر استقلالها، ومع انشغاله بالعمل السياسى عمل بعد تخرجه بالمحاماة والصحافة، تولدت عزيمته بأن تكون قناة السويس هى مجال دراساته العليا بعد أن عاش موقفا دراميا يرويه قائلا، إنه كان متوجها على باخرة فى صيف 1946 بدعوة من شركة «قناطر إسنا»، وكان هو محاميها، وصادفه استعمارى إنجليزى يتصدر المائدة صباحا فى الباخرة، ويقص على المسافرين أمورا عن قناة السويس بلغة جارحة لمصر وللمصريين.
وغدا نتابع