قليلون من يتذكرون هرم ماسلو للحاجات الإنسانية، رغما عن أن له قيمة كبيرة فى زمن اختلطت فيه المعايير.
يذكرنا هرم ماسلو دائماً بأن القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى فى الأصل هدفها خدمة الإنسان، وأن هذا معيار تقييمها الأساسى.
إن مواقع الإنترنت الجادة غنية بشروحات هرم ماسلو، وما يتضمنه من حاجات إنسانية قسمها إلى خمسة أنواع.
وهى على سبيل التذكرة:
1. الحاجات الفسيولوجية :وهى قاعدة الهرم، وتمثل أهم الأشياء المادية لبقاء الإنسان حياً، وعلى رأسها الطعام – الهواء – الماء – المسكن - التكاثر.
2. الحاجة إلى الأمن: بعد أن يتم إشباع الحاجة الفسيولوجية، يبدأ الإنسان بالتطلع إلى الأمان، والشخص فى هذه الفئة يبحث عن بيئة آمنة للعيش والعمل وخالية من الأضرار المادية والنفسية، والجرائم بأنواعها.
3. الحاجات الاجتماعية: وهى تعنى حاجة الفرد إلى الانتماء، ومن الأمور التى تغطى أو تشبع تلك الحاجة (تكوين صداقات – قبول الآخرين للشخص كواحد منهم)، وتقوم المجتمعات بإشباع تلك الحاجة عن طريق المؤسسات التطوعية والنوادى الاجتماعية والانخراط فى فرق عمل او مع مجموعات متجانسة من الأصدقاء.
4. الحاجة إلى التقدير: وهى حاجة الفرد لتنمية احترام الذات والحصول على استحسان الآخرين له، والرغبة فى تحقيق النجاح واعترافهم به، والرغبة فى الحصول على مكانة مرموقة وشهرة حسنة بين الناس.
5. الحاجة إلى تحقيق الذات:
وهنا تكون حاجة الإنسان أن يبنى الصورة التى يتمناها لنفسه، وأن يحقق الأهداف التى يحددها ويواجه فى سبيل ذلك كل التحديات دون خوف من الفشل فى تحقيق النجاح وصناعة الظروف التى تساعده على الابتكار والإبداع والتميز الاستثنائى الذى يرضيه معنويا وماديا.
ما العرض السابق إلا مقدمة للتمييز بين ما فقدته دول أخرى محيطة بنا وما حافظنا عليه، إن دولا مثل ليبيا وسوريا واليمن قد هوت من قمة هرم ماسلو إلى قاعه، فلم يعد مطروحا الحديث عن قدرة الأفراد على تأكيد الذات أو التقدير الاجتماعى وإنما أصبح الهم الأكبر هو بقاء الأفراد أحياء مع الحد الأدنى من مقومات الحياة، أى نوع من الحياة، بل إن الحديث عن نوعية الحياة هو درب من الرفاهية التى لا تجد ما يبررها أمام هذا الفيض المتلاحق من صور ضحايا الحروب.
ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن مصر والمصريين قد نجوا من هذا المصير المظلم، وأصبحت معركتنا الآن فى الارتفاع بمستوى الأمان ثم مساعدة المصريين لتحقيق الحاجات الأخرى فى قمة هرم ماسلو.
وإن واجب الحكومة هو أن تضع حاجات البشر فى اعتبارها ليس فقط بالمشروعات ولكن كذلك بالسياسات، إن حكومة ما قبل الثورة مباشرة لم تكن تتبنى مشروعات قومية كبرى، لكنها كانت تتبنى سياسات تفتح الطريق أمام القطاع الخاص والمجتمع الأهلى كى تقوم بإشباع هذه الحاجات، وقد حققت معدلات نمو اقتصادى عالية بلغة الأرقام.
إن الحكومة الحالية، سواء قصدت أم لم تقصد، قامت بتأميم العمل العام فى اتجاه واحد، جعلها تخلق صورة ذهنية عند كثيرين بأنها المسئولة منفردة عن إشباع كل الحاجات عبر ما تقوم بتبنيه من مشروعات، وهذا حمل لا تسطيعه دول أكثر تقدماً وثراءً منا.
تمنيت وتمنى كثيرون أن تكون استراتيجية مصر ٢٠٣٠ هى بوصلة الدولة فى قادم الأيام لإشباع حاجات الإنسان المصرى وصولا إلى استغلال طاقاته، ولكن يبدو أن هذه الاستراتيجية بعيدة عن خطط الحكومة التى تنشغل أكثر بإطفاء الحرائق والاستجابة اليومية لنتائج بل كوارث ترهل البنية التحتية.
نعم نجونا من مصير قاع هرم ماسلو، ولكن تطلعات الشعب الذى دفع الثمن مقدماً تقتضى أن نأخذ بقية مراحل الهرم فى اعتبارنا عند وضع السياسة العامة للدولة، بل وتكون منهجاً لمحاسبة الحكومة من البرلمان ومن الرأى العام.
وفى الختام، إن التنمية الحقيقية هى تنمية الإنسان وليس فقط الزيادة الرقمية فى البنيان، وهذا أقل ما نتعلمه من هرم ماسلو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة