العلاقة بين مصر والصين ليست مجرد علاقة بين بلدين تتزايد معدلات التعاون والتبادل التجارى بينهما يومًا بعد يوم، وسط عالم واسع تسطير عليه الاستقطابات ودوائر المصالح الضيقة، ولكنها أبعد من رصيد التقدم والنمو والنجاح الاقتصادى الراهن، الذى حبس الصين لسنوات طويلة حتى حققت نهضتها، وما زال يعرقل خطوات مصر باستهدافات دولية وإقليمية، فالعلاقة بين البلدين أكثر عمقًا وتوغلاً فى التاريخ من الواقع الراهن وتعقيداته، وأقدم من كثير من القوى التى يقلقها نجاح الصين، أو تعمل على تعطيل نجاح مصر، ومع تزايد الروابط الحالية بين القاهرة وبكين، تفتح العلاقات المتميزة بابًا واسعًا للبلدين لاكتشاف روابطهما القديمة، باعتبارهما صاحبتى حضارتين من أقدم حضارات العالم وأثراها، وفى هذا الإطار يأتى مشروع التعاون الأثرى والبحث بين مصر والصين فى مجال المصريات، وضمن هذا المشروع يصل البروفسور "لى شياو دونج"، وفريق صينى متخصص فى دراسة علم المصريات، إلى مصر، لدراسة ميدانية لآثار معبد الكرنك لأول مرة فى سياق العلاقة بين العملاق الآسيوى والدولة الأفريقية الرائدة.
تعد هذه الزيارة المرة الأولى التى يشارك فيها علماء صينيون بشكل مباشر وميدانى فى دراسة الآثار المصرية فى مواقعها، ويشترك فى تنفيذ مشروع دراسة آثار معبد الكرنك علماء من مصر والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا والصين، وغيرها من الدول الأخرى، ويهدف المشروع لإجراء دراسة دقيقة وشاملة لـ129 عمودًا، ولكثير من نقوش الجدران فى قاعة الأعمدة، وتستمر الدراسة لسنوات، ومن المتوقع أن يتم من خلال المشروع المشترك الكشف عن عدد من الاكتشافات الأثرية الجديدة، بينما تسهم هذه الخطوة، وتعميق مستويات التعاون الدولى عبرها، فى دفع علم المصريات الصينى وتقديمه للعالم، ما سيكون له تأثير هائل على دراسات علم المصريات فى الصين.
معهد الآثار الصينى: سنتعاون مع خبراء مصر.. وعلماؤنا سيساعدون فى الاكتشافات لأول مرة
كان "وانج وى"، مدير معهد الآثار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، قد أعلن فى وقت سابق أن المعهد سيتعاون مع خبراء الآثار فى مصر، للقيام بعمليات بحث عن الآثار وحمايتها وضمان سلامتها، قائلاً: "إن علماء الآثار الصينيين سيساعدون فى الاستكشافات الأثرية فى مصر لأول مرة، وذلك فى إطار مشروع للتعاون الثقافى، تتم دراسته حاليًا من قبل البلدين، وسيتعاون المعهد مع الجانب المصرى فى مراقبة نظم السلامة والتحكم بالمواقع الأثرية الرئيسية فى مصر".
وأضاف "وانج"، الذى زار مصر مؤخرًا: "ستكون هذه هى المرة الأولى التى يتشارك فيها أبناء اثنتين من الحضارات القديمة الأربعة بالعالم، فى استكشاف أثرى، وسيكون هذا التعاون معلمًا تاريخيًّا للتبادلات الثقافية الثنائية"، مضيفًا أن العمل فى مصر، التى تعتبر واحدة من أقدم الحضارات فى العالم، هو حلم وشرف لمعظم علماء الآثار، ومن المرجح أن يبدأ الفريق الصينى أعماله فى المعابد المصرية قريبًا.
تقنيات صينية متقدمة و10 ملايين يوان لدراسة آثار مصر خلال 5 سنوات
وفى السياق نفسه، قال "وانج وى"، مدير معهد الآثار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الفرق الأثرية الصينية تمتلك تكنولوجيا رائدة فى العالم من حيث الاستشعار ثلاثى الأبعاد عن بعد، والتصوير ثلاثى الأبعاد، فضلا عن التقنية المتقدمة فى الاختبار والتحليل داخل الأماكن المغلقة، مشيرًا إلى ما لدى الصين من تجارب غنية ومفيدة فى الحفر والبحوث المتعلقة بالمواقع التاريخية على نطاق واسع، مثل المدن والقصور الكبيرة، الأمر الذى يمكن أن يساعد مصر فى استكشافاتها الأثرية.
وأكد البروفسور وانج وى، أنه تمكن من الحصول على نحو 10 ملايين يوان صينى، لدعم التعاون بين البلدين فى مجال الآثار، وتمويل الدراسات والمشروعات فى هذا الإطار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.