الجمعة الماضية، سيرت شركة مصر للطيران للشحن الجوى أولى رحلاتها الجوية إلى العاصمة الروسية موسكو، وعلى متنها 40 طن خضروات وفاكهة، وهى الرحلة الأولى للشركة الوطنية إلى موسكو بعد حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء العام الماضى.
وقبلها بيومين أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى أكد خلال الاتصال أن الجانب الروسى يعتزم استئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين القاهرة وموسكو قريبًا، وذلك فى ضوء ما خلصت إليه التقييمات الأمنية والفنية التى تعاون بشأنها الجانبان المصرى والروسى.
الحدثان يؤشران إلى انفراجة قريبة فى هذا الملف المعقد، الذى شهد شدًا وجذبًا، وضغوطًا أيضًا على مصر، التى تعتمد على السياحة، خاصة الروسية، كمصدر مهم للعملة الأجنبية، ورغم أن توقيت عودة السياحة الروسية غير معلوم حتى الآن، فإن تأكيدات بوتين بقرب عودتها يعطينا أملًا فى حدوث ذلك، ربما خلال أسابيع قليلة، أخذًا فى الاعتبار أن القاهرة اتخذت من جانبها جميع الإجراءات الأمنية والتنظيمية التى تطمئن ليس الروس فقط، إنما جميع الدول التى كان رعاياها يفضلون الشواطئ المصرية لقضاء عطلاتهم بها.
وربما يثور هنا سؤال مهم، هو: لماذا تأخرنا فى حسم هذا الملف؟، فعام كامل مر ونحن ندور فى دائرة مغلقة، فالروس كانت لديهم مطالب محددة خاصة بتأمين المطارات، وهو ما استجابت له القاهرة بشكل كبير، ووفقًا لما سمعناه كثيرًا من مسؤولين روس زاروا القاهرة أكثر من مرة، وأثنوا على الإجراءات التى اتخذتها القاهرة لتأمين المطارات، حتى لا يتكرر حادث الطائرة الروسية، استجابت القاهرة للملاحظات الروسية، إلا ما يتعلق منها بالسيادة المصرية، فتم رفضه مع تفهم روسى لذلك، ورغم ذلك ظل الموقف كما هو، نسمع عن تلميحات باستئناف السياحة الروسية بداية العام المقبل، لكنّ المنخرطين فى هذا الملف ظلوا غير متفائلين بتحقيق ذلك لسبب بسيط، ربما سمعوه بأنفسهم من الروس.
هذا السبب هو أن موسكو فى انتظار أن تعلن القاهرة نتائج تحقيقاتها فى حادث سقوط الطائرة، أخذًا فى الاعتبار أن موسكو سبق أن قالت إن الحادث كان إرهابيًا، لذلك فإنها لن تصدق أى سبب أو رواية أخرى إلا إذا كانت مدعمة بأدلة مقنعة لروسيا ودول أخرى مهتمة بهذه القضية.
وفقًا لما سمعته من شخصيات قريبة من ملف التفاوض المصرى الروسى، فإن الروس يقولون إن الرئيس فلاديمير بوتين حينما اتخذ قرارًا بتعليق الرحلات إلى مصر بعد الحادث، تحمل التكلفة السياسية لهذا القرار، خاصة أن هناك فى الداخل الروسى من يرفض هذا القرار الذى تسبب فى خسائر كثيرة للشركات السياحية الروسية، لكن فى النهاية اتخذ بوتين قراره فى إطار الحفاظ على أرواح وحياة الروس خارج حدود الدولة الروسية، وفى المقابل فإن موسكو المقتنعة بأن عملًا إرهابيًا يقف خلف سقوط الطائرة، تتعجب حتى الآن من رفض القاهرة الإعلان عن هذه النتيجة، وهو ما يضع بوتين نفسه فى حرج سياسى، وهو ما يؤخر صدور قرار عودة السياحة الروسية لمصر، مادامت القاهرة لم تعلن أن الحادث إرهابى.
هذه هى الرواية الروسية، وفى المقابل منها ترى مصر أن هذه التحقيقات ستأخذ وقتًا، ومن مصلحة مصر الانتهاء من التحقيقات لإعلان الحقيقة أمام الجميع، لكنّ هناك رأيًا داخل الحكومة يطالب بأهمية دراسة وبحث الأسباب التى أعلنت عنها موسكو، وأنه لا يعيب مصر أن تخرج وتقول إن العمل إرهابى، مادامت هناك قناعة بذلك.
بالنسبة لى ولآخرين، أعتقد أنهم كثيرون، لا فرق إن كان سبب الحادث إرهابيًا أو فنيًا، لأننا فى النهاية نعانى من أزمة اقتصادية، السبب الرئيسى فيها غياب السياحة الروسية والبريطانية، وليس من المفيد تأخير الإعلان عن نتائج التحقيقات حتى الآن، وكان الأجدى بأجهزة التحقيق أن تتحدث مع السلطات الروسية فيما أعلنته قبل عدة أشهر حول وجود عمل إرهابى أدى إلى سقوط الطائرة، وإذا تيقنا من صحة هذا الأمر ولو بنسبة 50%، لماذا لا نعتمده كسبب لسقوط الطائرة؟!، بدلًا من الانتظار شهورًا أخرى، نعانى فيها من غياب مصدر مهم للدخل القومى فى مصر، أو نتناقش مع الروس حول رؤيتنا الرافضة لما أعلنوه.
انتهاء الأزمة لا يعنى غلق الملف، وإنما الاستفادة منها مستقبلًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة