من يقف وراء عنتيل مشتريات مجلس الدولة ليحصل على كل هذه الرشاوى؟
جمال اللبان، «عنتيل» التوريدات والمشتريات، بمجلس الدولة، مجرد موظف، فى مؤسسة كبيرة للعدالة، يثق فى عدالتها رجل الشارع العادى، ويلجأ إليها كل مظلوم ضد الدولة ومؤسساتها.
لم ترهبه، أو تهز فيه شعرة واحدة أنه يعمل فى «محكمة» تصدر أحكاما قوية يهتز لها المجتمع، ويقف على أصابع أقدامه ما بين معجب، ومندهش أو رافض، وتخرج الصحف صباحا تشيد بقرار المحكمة، وتهلل له القنوات الفضائية ليلا.
لم يخشَ، وهو يتلقى رشاوى الملايين، من الوقوف يوما فى قاعة إحدى المحاكم، مثلما يقف غيره فى قاعات نفس المحكمة التى يعمل بها، متهما برشوة فاقت تصور العقل، وقدرته على التصديق، والسؤال الوجوبى، من أين له بكل هذه القوة والثقة المفرطة لكى يحصل على الملايين رشاوى، لتمرير خطايا كارثية من وإلى مؤسسة دورها الرئيسى الاقتصاص من الفسدة؟
من الذى يقف وراء هذا «العنتيل» وهل له أن يستحضر كل هذه الثقة والقوة والجبروت، ليتحصن بها وهو يحصل على كل هذه الأموال من الرشاوى، إن لم يكن يستند على عناتيل أكبر وأقوى تشاطره الفساد والإفساد، وتتوجه إلى الأراضى المقدسة لتأدية العمرة، للاغتسال من الأثام؟
كارثة القبض على عنتيل مشتريات «مجلس الدولة» لا يمكن اختزاله فى حجم الملايين التى عثر عليها فى منزله، أو التشكيلة العبقرية للعملات ما بين ملايين الجنيهات المصرية، وملايين اليورو وملايين الدولارات، والريالات السعودية، والمجوهرات، ولكن الكارثة الحقيقية فى أنه يعمل فى إحدى قلاع العدالة فى مصر، ما يؤثر بالسلب، تشويها ولغطًا حول هذه المؤسسة المحترمة.
سهام الشك ستضرب بقسوة قلب المؤسسة التى أطلقها عليها عنتيل المشتريات، وهو ما لا يرضاه أى مصرى، خاصة أننا فى مجتمع يعشق التعميم، ولا يعترف بفضيلة السيئة تخص، وربما هذه النقطة تحديدا لا تمثل الكارثة الوحيدة، ولكن المصيبة الأكبر والأخطر، هى تسخير هذه المؤسسة وبكل جبروت وغلظ عين لارتكاب كل أنواع الفساد والإفساد، ولم تكن هناك أى نوع من أنواع الرقابة، أو المراجعة.
مصر تدفع ثمن لانتشار ظاهرة العناتيل، فى مختلف المؤسسات، عناتيل الرشوة والجنس والخيانة والمؤامرة والاحتكار والاستثمار الأسود فى أقوات الشعب، فيكفى أن الشعب الوحيد الذى جعل من «العملة» سلعة يستثمر فيها، حيث رأينا ناسا تبيع الأراضى والعقارات والذهب للاستثمار فى اليورو والدولار.
العناتيل، فى زيادة مطردة، وأن المؤسسات المهمة والكبيرة عليها دور بارزا، ومهما، ولابد أن يترسخ فى ضميرها، فقه الأولويات، وتحديد الأهداف، وأولها، ترتيب دولاب العمل، وتطهير البيت من الداخل، قبل العمل فى تدشين حملات التطهير فى المؤسسات الأخرى.
على كل المؤسسات فى مصر، تدشين حملة تطهير نفسها بنفسها، وتفعيل الرقابة والمتابعة، والتعامل بكل حسم مع الفسدة والمفسدين، ولا تتعامل بحسن النوايا، والثقة المفرطة، فالطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا، ولكم فى عنتيل «مشتريات مجلس الدولة» أسوة، فالرجل اتخذ من بيت العدالة ملاذا وحصنا كبيرا لتلقى الرشوة وممارسة الفساد بفجور وغلظ عين.