المشكلات ليست كلها شر، فدائما يكمن وجه حسن للحكاية، ربما لا يبدو فى البداية واضحا، لكن بعد تأمل يظهر الضوء ساطعا، فمثلا فى أزمة نجيب محفوظ الأخيرة بعد أن تطاول عليه النائب البرلمانى وأستاذ القانون أبو المعاطى مصطفى، واتهمه بخدش حياء المجتمع، فى البداية انزعجنا جدا ورأينا الأمور حادت عن الصواب وعن الفطرة، لكن بعد أن نتريث فى الأمر نرى وجوه خير كثيرة عادت على نجيب وعلى المثقفين وعلى مصر.
فيما يتعلق بالمثقفين جاء ردهم، بعيدا عن المؤسسات، جيدا جدا، فقد وقفوا كلمة واحدة فى وجه هذا التشويه المتعمد ردوا ودافعوا وهاجموا، وعن نفسى أعتقد دائما أن المثقفين فى حاجة لما يجمعهم حتى لو كانت مشكلة، لأنهم حينها يشعرون بالخطر ويعرفون أن صمتهم سيجعل الدائرة تتسع وأن الهوية المصرية تصبح فى خطر لذا يتحركون فى اتجاه واحد معا من أجل مصلحتهم وهذا أمر جيد.
وفيما يتعلق بالبرلمان، فهذا الهجوم ترتبت عليه تكشفات عديدة، منها أنه كشف أن المراهنة على أعضاء البرلمان فى إنقاذ الثقافة والوقوف بجانبها والدفاع عنها، ليس أمرا صحيحا فى المطلق، فهناك من لا يدركون جيدا مفهوم الثقافة أو دورها المهم فى التحرك بالمجتمع للأمام ويظنون أنها رجس من عمل الشيطان، لذا فلنا أن نتوقع المصير الذى ستلقاه كل قضية تتعلق بالحرية فى الكتابة أو الإبداع فى البرلمان، وعلينا ألا ننتظر منها خيرا، وفى الوقت نفسه أدرك المصريون أن السلفيين ليسوا وحدهم الذين لديهم قطيعة مع الثقافة، بل هناك قطاع كبير من المجتمع المصرى دخل المدارس وحصل على أعلى الشهادات وليس لهم علاقة بالثقافة سوى الكراهية.
وفيما يتعلق بوزارة الثقافة، التى لم تعلق على الأمر حتى الآن، فقد وضعها هذا الحدث فى مأزق الانتهاء من متحف نجيب محفوظ المقرر فى وكالة أبو الدهب فمنذ رحيل أديب نوبل من 10 سنوات ولم يحسم الأمر بعد، وبالتالى فإن عدم قدرة الوزارة على افتتاح متحف مثل هذا، الذى يترك انطباعا بعدم الاهتمام، يجعل الآخرين الذين لا يعرفون قدر نجيب محفوظ يتطاولون عليه.
أما نجيب محفوظ نفسه فلم يخسر شيئا من الأزمة على العكس فقد أثبتت أن مصر الشعب والثقافة تجل نجيب محفوظ وتعرف قدره وقيمته، فالناس فى الشارع استغربوا تصريحات النائب وطالبوه بالتركيز فيما يتعلق بحياتهم الراهنة، وأن عليه أن يعلم أن نجيب محفوظ قيمة مصرية ليس عليها جدال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة