كوبا، البلد الذى تحدّى التاريخ والزمن وموازين القوى، واستمر على تحدّيه لأكثر من نصف القرن، عرفه كثيرون على امتداد العالم بسيجاره الفاخر ذى النكهة المميزة، وما دارت حوله من أقاويل وحكايات، من طريقة زراعة التبغ، وحتى حصاده ومعالجته، أو "لفّه" على أفخاذ العذروات الجميلات، كلها حكايات لم تبتعد كثيرًا عن رغبة القوى العالمية الكبرى فى إخفاء هذا البلد عن العالم، أو اختزاله فى تفاصيل صغيرة وتافهة واستهلاكية، أما كوبا الحقيقة العنيدة المتحدّية لحيتان العالم، فظلت على حالها، هناك فى "هافانا"، تبنى وتصنع وتعلم وتعالج، حتى أصبحت البلد الأول عالميًّا فى مستوى الأطباء وتوفير الخدمات الطبية، وحتى لو اختزلناها فى السيجار، فلن نجد أطيب وأفضل نهكة من سيجار فيدل كاسترو، الذى تحول هو نفسه مؤخّرًا لسيجار دخّنه الموت، فأصاب دخانه دولا وحكومات طالما مثّل عدوًّا لها وعقبة فى طريقها، وربما فرحت، ومر علينا كما تمر حكايات هافانا وأحاديث الفتنة عن نسائها ومدنها وسيجارها، ولكن هذا الدخان العجوز الواهن، أصاب عيون أكثر من 11 مليون كوبى، فهيّج مشاعرها وأسال دموعها.
مئات الآلاف فى جنازة الزعيم.. وداع الثائر بعد أن صار رمادا
شارك مئات الآلاف من الكوبيين فى وداع رمزهم الوطنى وزعيمهم الراحل فيدل كاسترو، الذى دفن رماده فى مدينة "سانتياجو"، بالقرب من بطل الاستقلال الكوبى "خوسيه مارتى"، مؤسس الدولة الكوبية ورمزها الأول.
واستخدم "كاسترو" وأنصاره من اليساريين الثوريين، أفكار "مارتى" خلال الإطاحة بنظام "باتيستا" المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية فى العام 1959، ثم زاوجوا فى وقت لاحق بين مبادئه ونسختهم الخاصة من الشيوعية السوفيتية، ما أثار غضب القوميين والمناهضين للشيوعية والكوبيين فى المنفى، الذين يعتبرون "مارتى" بطلاً قوميًّا، وذلك وفقًا لما أوردته وكالة "رويترز".
الرئيس الكوبى "راؤول كاسترو" ونظيره الفنزويلى "نيكولاس مادورو"
جانب من المشاركين فى تأبين كاسترو
مئات الآلاف من الكوبيين يملؤون الميادين والساحات
بدفن الرئيس الكوبى السابق فيدل كاسترو، تنتهى 9 أيام من الحداد الوطنى، إذ رحل "كاسترو" يوم 25 نوفمبر الماضى، وتم إحراق جثته، تنفيذًا لوصيته، فى اليوم التالى لوفاته، ومنذ 29 نوفمبر حتى 3 ديسمبر، سافر النعش الذى يحمل رماده إلى "سانتياجو" حيث يكون مرقده الأخير.
وسيطرت حالة من الحزن والبكاء على المشاركين فى تأبين الزعيم الراحل، فقالت إحدى المواطنات الكوبيات: "كان رجلا عظيما وقام بحمايتنا، وأنا فى غاية الحزن على رحيله"، بحسب مقطع فيديو نشرته صحيفة "USA TODAY" الأمريكية عن جنازته.
كما قال مواطن كوبى آخر: "إن خوسيه مارتى أقام دولتنا، وكاسترو منحنا الكرامة ووضعنا على خريطة العالم".
كوبية تحمل صورة كاسترو
فتيات يشاركن فى تأبين كاسترو
فيدل ساخرا من محاولات اغتياله الكثيرة: لو كانت أوليمبياد لأخذت الذهبية
جدير بالذكر، أن الزعيم الكوبى فيدل كاسترو عاصر 11 رئيسًا أمريكيًّا، وصمد أمام التضييق الاقتصادى عليه من الولايات المتحدة، التى حاولت التخلص منه ومن نظامه الشيوعى، كما نجا الزعيم الراحل - الذى أمضى نصف القرن فى حكم كوبا - من أكثر من 600 محاولة اغتيال خططت لها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعشرات من الكوبيين المنفيين.
وكان "كاسترو"، الذى توفى عن عمر يناهز 90 عامًا، قد علق على محاولات اغتياله فى وقت سابق، بالقول: "إذا كانت محاولات الاغتيال حدثًا أوليمبيًّا، لكنت فزت بالميدالية الذهبية".
رحلة "كاسترو" من الثورة حتى التنازل عن الحكم
فى عام 1959 قاد "كاسترو" ثورة يسارية ضد نظام "فلجنسيد باتيستا"، الذى اعتبره مواليًا للولايات المتحدة الأمريكية، فى ثورة خطط لها بمعاونة رفاقه الثوريين، ومنهم أخوه "راؤول"، والمناضل الأرجنتينى الكوبى "إرنستوا تشى جيفارا"، الذى نشأت بينه وبين "كاسترو" صداقة قوية بعد تأسيسه حركة 26 يوليو الثورية.
فى عام 2006 تنازل الزعيم فيدل كاسترو عن رئاسة كوبا لأسباب صحية، ليتولى أخوه "راؤول" مقاليد السلطة خلفًا له، قبل أن يصبح رئيسًا بشكل فعلى فى العام 2008.
وتميز "كاسترو" بشخصية القائد الذى تقرب للمواطنين بالخطب العصماء، التى كانت فى أغلبها تنتقد الولايات المتحدة، وقد لاقى إعجاب كثيرين من الاشتراكيين والقادة اليساريين، مثل الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز، وعلى الجانب الآخر، اعتبره كثيرون من معارضيه ديكتاتورًا، وأن نظامه قمعى وينتهك الحريات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة