كثرت هذه الأيام الكتابات الغربية والإقليمية الناقدة للسياسات المصرية الخارجية، بشكل يوحى بأن هناك طرفا خفيا يدعم هذه الكتابات، لغرض ما لا يستهدف بالتأكيد المصلحة المصرية، ولا الأمن القومى العربى، وإلا حاولت هذه الكتابات مناقشة التحركات المصرية فى إيجابياتها وسلبياتها، بدلاً من سياسة النقد والرفض التام لها، وكأن مصر واقعة تحت الوصاية الخارجية، ولا يحق لها أن تتحرك وفقاً لما تراه ضرورياً لحفظ الأمن القومى المصرى والعربى.
إحدى هذه الكتابات التى أعتبرها غير بريئة، هاجمت بشدة السياسة المصرية الخارجية تجاه بناء تحالفات مع القوى الدولية أو العلاقات الاستراتيجية شبه التحالفية، وما أسمته الرهان المصرى «الخاطئ» حول الولايات المتحدة الجديدة تحت قيادة دونالد ترامب، وروسيا بقيادة فلاديمير بوتين، بل إن بعض الكتاب العرب زادوا من انتقادهم لمصر بقولهم، إن هناك ثقة زائدة لدى المصريين بأن القيادة المصرية أحسنت الاستثمار فى التحالفات الاستراتيجية الصحيحة، وعلى رأسها مع روسيا، وتزامن ذلك مع احتفالات فى مصر بفوز دونالد ترامب كأنهم ناخبون أمريكيون، وفقاً للوصف الذى قالته راغدة درغام، فى مقالها بصحيفة الحياة اللندنية، الجمعة الماضى، تحت «رهان مصر على علاقة استراتيجية مع ترامب وبوتين»، مضيفة: «لذلك قرّروا أن البراجماتية القومية تتطلب دعما روسيا فى سوريا، بغض النظر عن اتهامها من جانب دول أوروبية أساسية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين السوريين، بكل ارتياح وبلا تردد، تتملص الطبقة المقربة من السلطة فى مصر من أية مسؤولية أخلاقية نحو المدنيين السوريين، وتقول: هذا ليس من شأنى.. فلقد اتخذت هذه الطبقة القرار بأن محاربة «الإخوان المسلمين» أولوية قاطعة، لذلك فإنها تدعم روسيا فى سوريا وحليفتها إيران والميليشيات التى تطلقها طهران فى الحرب لمصلحة بقاء الرئيس بشار الأسد فى السلطة.
حديثى هنا ليس منصباً على مقال الكاتبة والمحللة السياسية راغدة درغام، لكنه منصب على العديد من الكتابات العربية والإقليمية بل والدولية التى تحاول منذ فترة محاصرة مصر سياسياً واقتصادياً، حتى تكون متقوقعة على القضايا الداخلية، ولا تتحرك خارج حدودها سياسياً إلا كما يحدد لها سواء من الدول الإقليمية التى تعتبر نفسها الكبرى فى المنطقة، وأنها هى فقط صاحبة الولاية على دول المنطقة، تحركها كيفما تشاء، وليس من حق الدول الأخرى حتى وإن كانت فى حجم مصر أن يكون لها سياسة خاصة بها ومستقلة، لأن الاستقلالية ليس لها وجود فى قواميس البعض فى منطقتنا، والتبعية هى الأساس فى كل تحركاتهم، لذلك من يخرج عن هذا المنهج تتم ملاحقته إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، دون الأخذ فى الاعتبار التباين والتمايز بين الدول فى علاقاتها وسياساتها الخارجية، شريطة ألا يضر ذلك بالأمن القومى العربى.
نسى هؤلاء أن مصر تدرك جيداً محددات الأمن القومى العربى، وأنها الدولة الأكثر حرصاً عليه، لأنها لا تنظر له بمنظور شخصى، وتتعامل مع أزمات المنطقة بمنطق المصالح العليا للدول العربية، لذلك فمصر لا تتعامل مع الوضع فى سوريا أو اليمن أو ليبيا ولبنان والعراق بمنطق ماذا تريد مصر، وإنما بما يفيد المصالح العربية العليا، وهو منطق لا يعرفه كثير ممن ينتقدون مصر وسياساتها الخارجية.
هم ينتقدوننا ويطالبون مصر بأن تركز على الوضع الداخلى، والأزمة الاقتصادية، دون أن يدرك هؤلاء أن مصر تحاول خارجياً إصلاح ما أفسدته بعض الطموحات الإقليمية التى أدت إلى تدمير دول عربية كبرى مثل سوريا والعراق، وهو ما أثر على كل دول المنطقة وليس مصر فقط، فمصر حينما تطرح حلولاً سياسية لأزمات المنطقة، فهى تحاول الحفاظ على ما تبقى من القيم العربية التى ضاعت على أيدى هواة السياسة، ممن ظنوا أن امتلاكهم لمقدرات مالية كفيل بأن يشكلوا المنطقة العربية على هواهم الشخصى.
على هؤلاء أن يدركوا أن مصر ليست تابعة لأحد، وأن الولاية الوحيدة على مصر هى لشعبها، وليس لأحد آخر، وأن ما يحركها هو الحفاظ على الأمن القومى العربى الذى غاب عن أجندة الكثيرين فى منطقتنا المليئة بالمشاكل والأزمات.