مشكلة هذه الحكومة ثقتها فى أن وراءها من ينقذها دائماً من الغرق فى اللحظة الأخيرة
يصلح أسلوب تعامل الحكومة مع أزمة الدواجن نموذجًا يدرس للفشل فى إدارة الملفات دون حكمة أو دراسة مستفيضة لكل جوانب المشكلة.
فجأة نفشت الحكومة ريشها، وتعاملت مع موضوع الدواجن على أنه سهل، ويمكن حسمه فى جلسة واحدة بقرار يطفئ نار السوق، ويقضى على مافيا التجار، لكن كعادتها سقطت الحكومة على رأسها، لأنها لم تحسن القراءة، ولم تفهم القضية، بل لم تعط نفسها فرصة للفهم ولا المناقشة مع أطراف الأزمة، ولم تلجأ إلى الخبراء، ولم تتعامل بشكل علمى، ولم تدرس المخاطر والسلبيات والإيجابيات، ولم تفتح نقاشًا مع أحد، ولم تتوقع تأثير قراراتها على أكثر من مليونين ونصف المليون عامل فى هذا القطاع، ولا مصير المليار و200 ألف فرخة التى تنتجها مصر سنويا، وتسرعت فى قرار أبسط ما يوصف به أنه « توريطة»، وهو إلغاء الجمارك على الدواجن المستوردة، فلم يكن هناك داع أبدًا لهذا القرار، لأنه بدلا من أن يحل الأزمة زادها تعقيدًا، وعرّض صناعة ضخمة حجمها يزيد على 60 مليار جنية للخطر، بل والأكثر أن هذا القرار المتهور نال من سمعة الحكومة نفسها، وتم التلسين عليها حتى داخل البرلمان بتهمة المجاملة لبعض المستوردين.
والنتيجة أن مجلس الوزراء بجلالة قدره بسبب هذا القرار وتداعياته التى توقعها الجميع إلا الحكومة نفسها، تحول فجأة من إدارة شؤون البلد، إلى مجلس إدارة شؤون الفراخ المصرية، لا تهتم سوى بإنهاء هذه المشكلة بأى ثمن، حتى ولو بالتراجع عن قرارها لإرضاء الغاضبين، والهروب من أن تتضخم الأزمة، وتنفجر فى وجهها، مثل كثير من الأزمات الأخرى التى لم تعرف كيف تديرها، واضطرت فى النهاية للجوء إلى القوات المسلحة بمنطق «الحقونا»، وبالفعل ألغت قرارها بنفس التهور، وأعادت الجمارك لأصلها، وكأن شيئًا لم يكن.. عادى جدًا، فهذه هى حكومة شريف إسماعيل.
أعتقد أن مشكلة هذه الحكومة بصراحة، ثقتها فى أن وراءها من يتصدى للمشاكل، وينقذها دائمًا من الغرق فى اللحظة الأخيرة، ولهذا فلا تشغل بالها بدراسة أى ملف، إنما تبدع فى إصدار القرارات غير المحسوبة، وعندما تكتشف الكارثة تسارع بالبحث عن المنقذ الذى يتدخل لحماية المواطن من تأثير هذه القرارات، والأخطاء الحكومية القاتلة، ولولا هذه التدخلات لكانت الحكومة ماضيًا وانتهى منذ فترة، وهذا هو الخطر بعينه، فالحكومة تسحب من الرصيد بشكل غير مسبوق، ولم تعط للمصريين أملًا فى أى ملف أو قضية، فلا أزمة السكر انتهت، ولا الأدوية الناقصة توفرت، ولا الأسعار انخفضت، ولا التجار وجدوا منها ما يردعهم، إنما استفحل خطر الجشعين، وزادت هموم المواطن، بعد أن أيقن أنه أمام حكومة «نفخ بق»، تطلق التصريحات والتهديدات، وتنذر وتحذر وتتوعد، وفى النهاية تنزل على مفيش، تنزل المرة دى، ولهذا فالمواطن فقد ثقته تمامًا فى أن يكون الخير قادمًا على يد هذه الحكومة المراجعة، بل يراها البعض سبب كل هذه الأزمات، ويزيد من هذا الشعور أنه لا يوجد خبير ولا متخصص ولا طرف فى أى أزمة يتحدث عن الحكومة بالخير، فالغضب عليها جماعى، ومطالب الرحيل تحظى بشبه إجماع.. وأظن أن كل الأجهزة التى ترصد اتجاهات الرأى العام فى الشارع، لديها ما يؤكد أن هذه الحكومة استنفدت كل الفرص، ولم يعد لديها ما يكفى لإقناع المواطن بالصبر عليها أكثر من هذا، بل إن ما يتم الآن من محاولات تجميل للحكومة، أو البحث لها عن مبرر بأنها تعمل فى ظروف صعبة، ومرحلة قاسية، لم يعد يجدى مع الناس الذين لم تعد عندهم قدرة حتى على تحمل من يحاول أن يذكر لهذه الحكومة حسنة واحدة، أو يقول فى حقها كلمة. حتى الوزراء المتميزون، وهم عدد مقبول فى الحكومة، طالهم بعض الغضب بسبب الأداء الجماعى، فالمصريون يتعاملون الأن بمبدأ «الحسنة تخص والسيئة تعم»، ومادام أداء الحكومة فى المجمل سيئًا، فلا مجال للحديث عن وزراء متميزين أو مجتهدين.
المؤكد أننا ولو بالمنطق السياسى نحتاج إلى حكومة قادرة على إدارة الملفات مع المواطنين، حكومة تعرف كيف تتخذ القرار، بعيدًا عن المؤثرات المختلفة، حتى تكون قرارات سليمة، لا تضطر للتراجع عنها، حكومة خبرة ووزراء أبناء شارع يفهمون طبيعة المشاكل، وكيف يتم التعامل معها بحكمة وحسم، أما حكومة شريف إسماعيل فلها منا كلمة واحدة «كتر خيرك».