كنا محتاجين تلك الفرحة الوطنية التى حققها لنا منتخبنا لكرة اليد فبطولة أفريقيا التى حصدها وتأهل بواسطتها إلى بطولة العالم وأوليمبياد ريو دى جانيرو، بالفعل إنجاز رياضى كبير، لكنه فى ذاته أكبر من كونه بطولة قارية مؤهلة للبطولات العالمية، هو دفعة كبيرة من الثقة والأمل لعموم المصريين، نعم دفعة كبيرة ورسالة رمزية للمصريين أنهم يستطيعون تحقيق أحلامهم، كل أحلامهم، فى الوقت الذى تعمل فيه ماكينات الاستعمار الجديد على تقزيم أحلامنا وإجهاضها، وتحطيم ثقتنا فى قدراتنا الذاتية، وإبقائنا دولة متخلفة فقيرة تطفو فقط بالمعونات.
قد يرى البعض فى كلامى نوعا من التسييس المبالغ فيه لبطولة رياضية، وقد يرى البعض الآخر أن البطولة فى ذاتها إنجاز كبير، ومن الظلم تحميلها بأى مدلولات رمزية أخرى، خاصة وأنها التتويج المثالى لمشوار الانتصارات المتتالية بالبطولة، وانتزاع النصر من المنافس الأساسى على مستوى القارة وأكثر فريق حصدا لتلك البطولة.
على عينى وراسى الإنجاز فى جانبه الرياضى، لكن التوقيت الذى تحقق فيه، والرسائل التى أرسلت خلال المباراة النهائية فى القاهرة، تؤكد الجانب الرمزى الأكبر والأشمل من البطولة الرياضية، جانب يحمل انتصارا وجوديا لشعب ودولة فى حالة حرب مركبة، وتسعى للانتصار فى عدة جبهات فى وقت واحد.
نحن شعب ودولة يراد لنا أن نغفل عن مصادر قوتنا الحقيقية، وعن قدرتنا على تحقيق أحلامنا، كما يراد لنا أن نظن فى أنفسنا العيب والنقصان وأن نقبل بذلك، لأن الأحلام الكبيرة وخاصة أحلام البطولة معدية وتنتقل بسرعة من مجال إلى آخر، فنادرا ما تجد دولة تحقق بطولات وإنجازات مستمرة فى مجال واحد، بل تنتقل جينات التفوق والتقدم من قطاع لآخر فى المجتمع، بفعل روح التحدى والإصرار واللحمة الوطنية التى تتحقق بها البطولة.
نحن نواجه معركة حقيقية مع الإرهاب المدعوم خارجيا لتقسيم البلاد، ونواجه معركة مع الفقر الناتج عن غياب التأهيل وغياب فرص العمل لعدد كبير من السكان، ونواجه معركة فى جذب الاستثمارات فى القطاعات الاقتصادية الأساسية عندنا، ونواجه معركة فى توفير الميزانيات الكافية لرفع مستوى الخدمات الأساسية فى التعليم والصحة والإسكان، كما نواجه معركة مع الفساد المتمكن من أجهزة الدولة منذ عقود طويلة حتى أصبح طريقة حياة، فكيف ننتصر فى جميع هذه المعارك إذا لم نتحل بروح البطولة؟
هذه المعارك جميعها لا تحتمل التأجيل، ولا ينبغى خوض إحداها وتأجيل الأخرى، بل يجب خوضها جميعها بالتزامن، وفى ذلك خطر كبير ومغامرة أكبر، لأن القاعدة الأولى فى فن الحرب وفى علوم السياسة، هى عدم خوض معركتين على جبهتين فى توقيت واحد.
وكلما حققنا انتصارا على جبهة من الجبهات يتفنن الاستعمار الجديد وأعوانه فى الداخل بإلحاق الهزيمة بنا ومحاولة كسرنا، مرة من خلال دعم الإرهابيين على حدودنا، ومرة باللعب فى ملف مياه النيل، ومرة ثالثة بضرب عائداتنا السياحية، ورابعة بفرض حصار اقتصادى غير معلن علينا، وخامسة بشن حرب إعلامية موجهة ضدنا فى كبريات الصحف والوكالات الغربية إلخ.. ما يسعى إليه الاستعمار الجديد وأعوانه بالأساس، هو إخماد روح التحدى والبطولة فى داخلنا وطمس قدرتنا على الإنجاز وإشعارنا دائما بالهزيمة واليأس، وأنه مفيش فايدة، لكن مع كل بطولة كبيرة فيها تعب وشقا، أو مع كل إنجاز اقتصادى أو تنموى تظهر روح البطولة قاهرة الصعاب ومحققة المعجزات، لتكون بمثابة الرسالة التى ترشد الناس إلى طريق النجاة والانتصار، لذا شكرا لأبطال منتخبنا لكرة اليد على الدفعة الكبيرة التى قدموها للمصريين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد ممس
صح
كلامك صح صح