فكرة الإنسان الكامل ليست موجودة فى التفكير الإسلامى، فالإسلام يعترف للإنسان بمناطق ضعفه، وعن أبينا آدم نفسه لما عصى ربه قال: «ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»، «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم».
فالإنسان فيه عنصر ضعف وفيه عناصر قوة بلا ريب، كما أن قدرات الناس تتفاوت، بل وقدرة الإنسان نفسه تتفاوت بتقلب أحواله ومسيرته فى الحياة، ولذا جاء فى الأثر أن الضعيف أمير الركب، وأنه لا بد من أخذ عناصر الضعف الإنسانى تلك فى اعتبارات القادة والزعماء والمخططين للإدارة.
التدين الحركى يتعامل فى الغالب مع شباب غض وصغير السن، وهؤلاء الشباب لهم «سيكولوجيا» خاصة تجعلهم يبحثون عن القوة والكمال والاستعلاء والتحقق عبر تطبيق قيمهم التى يتصورون أنها الحق، ومن هنا فإن الشاب يلتحق بالتنظيم الذى يقوم بتجنيده، والتجنيد فى العادة هو عملية مخططة من أطراف أكبر سنا وأكثر دراية وخبرة من الشاب الذى يتم تجنيده لصالح التنظيم، وهنا تحدث فى تقديرى أكبر مشكلة تحول الشاب من طاقة وأمل لأهله ومجتمعه إلى مجرد أداة يتم رمى الشباك عليها ليجرى تلقينه مجموعة من الأفكار التى هى فى النهاية رؤية التنظيم، وبدلا من أن يكون الشاب طاقة لأمته ولأهله ولوطنه يتحول إلى مجرد أداة فى خطط وأهداف لم يكن يريدها ولا استهدفها بل ربما لو لم يتم تجنيده ما سار فى هذا السبيل.
هنا الجناية الكبرى التى تقع فيها تلك التنظيمات حين تقوم بتجنيد شبابها الغض الغافل الطيب البسيط، هى أنها تدخله فى عالم سرى غريب مواز للعالم الذى يعيش فيه، فأول شىء الشاب الحركى المتدين يخفى علاقته الجديدة عن أهله وهم أقرب الناس إليه، هنا مفهوم العوالم الموازية، وهو مفهوم واحد بصرف النظر عن اختلاف الموضوعات التى يجرى تداولها أو مناقشتها أو الانتماء إليها حتى لو كان ذلك التنظيم يؤسس مفاهيم دينية للشاب الصغير موضوع التجنيد.
أول مشكلة يقع فيها الشاب تكون فى العادة مع أسرته، فهو يريد تطبيق ما فهمه من تنظيمه بأنه الإسلام، وباعتبار أن أسرته هى أقرب مجال يتحرك فيه وأنها بحكم خوفها وحبها له ستقبل ما يقوم به، ولذا يبدأ الشاب بتمييز نفسه بعلامات فى اللباس أو فى الحركة وفى ممارسة الدين، ويبدأ فى عمليات التغيير للمنكر فى مواجهة أحب الناس إليه وأقربهم منه، وهم موضع عناية إلهية بضرورة البر بهم والإحسان إليهم وطاعتهم والجهاد فيهم، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يجاهد قال: «ألك والدان قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد».
ويبدأ الشاب فى رحلة الدخول فى تنفيذ أهداف التنظيم، والتى من بينها إقامة الدولة الإسلامية، وهى هدف مثالى يثير فى نفس الشاب أهمية كبيرة لنفسه، وأنه سيغير الواقع الفاسد، وأنه سيعيد الخلافة الإسلامية ويحقق للإنسان مجده وعزه، الفكرة التى أريد التركيز عليها هنا هى انتهاك إنسانية ذلك الشاب الصغير وإدخاله عالم التدين الحركى الذى يقرر له ما يجب عمله وما يجب تركه وما هو واجب وما هو مندوب وما هو مباح، أى أن التنظيم يضع نفسه فى مكان الشريعة بالنسبة للشاب المنتمى إليه ليشرع له ما يجب عليه أن يفعل أو أن يترك حتى لو كان فى ذلك هلاك نفسه، والإضرار بها، وهلاك أهله ووالديه لأنه عصارة قلبهما وقبضة من روحهما، فلو أصابه مكروه آذاهما بقوة، وهو ينفذ ما يريد التنظيم داخل عالم أمته المسلمة، وفى مواجهة مسلمين لهم فى حقه ورقبته حقوق قررها الإسلام منها عصمة الدم والمال، التدين الحركى ينتهك إنسانية الإنسان حين يجعل منه من بعد إنسانا مثاليا كاملا لا هم له سوى الجهاد لتحقيق أهداف التنظيم، لا يوجد إنسان كامل ولا يوجد إنسان ينفذ فقط أهداف تنظيمه، التدين الحركى هو أول أبواب الانتهاك لإنسانية الإنسان، وانتهاك لعوارض ضعفه بتربيته على أنه يحقق المثالية الإسلامية حتى لو قاد ذلك لهلاكه وهلاك آخرين مسلمين معه.
دعوا الشباب يعملوا لمجتمعاتهم فى النور، ويكون جهدهم لأمتهم ومن خلال المؤسسات العامة المفتوحة بعيدا عن أخذهم لعوالم التنظيمات السرية، دعوهم يقرروا ما يريدون ويتحملوا هم مسؤولياتهم بعيدا عن الاختطاف الحركى لهم، وهم بعد لا يزالون فى مطالع حياتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة