أختتم ما بدأته من تناول لقضية الحزب الناصرى فى ضوء قياداته الجديدة التى بدأتها قبل أيام، وشملت تذكيرى لما سميته بـ«المشهد الأول فى حياة الحزب»، بدءا من حكم المحكمة لصالح تأسيسه عام 1992، وجوهر هذا المشهد كان فى الطموح الكبير الذى تعلق بهذا الحزب ليس على صعيد مصر وفقط، وإنما على الصعيد العربى ككل، وحين ننظر إلى كم الأسماء التى تواجدت فى بدايات الحزب، سنعرف إلى أى مدى كان الطموح يستند على كوادر حقيقة، ولأنها تحمل مشروعا للنهضة قاده جمال عبدالناصر بكل عظمته امتلك الطموح يقينا بأن المستقبل لهذا الحزب، لكن يوما بعد يوم تبخر كل ذلك، فهل يمكن النهوض به من جديد على أيد قيادته الجديدة ممثلة فى، سيد عبدالغنى رئيسا مع نوابه الثلاثة، محمد الأشقر، الدكتور نور ندى، عبدالرحمن الجوهرى؟
الإجابة عن سؤالى تبدأ من ضرورة الوقوف على تشخيص دقيق للأوضاع الحالية، وأهم ما فيه هو أن الحالة الحزبية لم تغادر عيوبها بعد رغم ثورة 25 يناير التى لم تقم ضد استبداد نظام مبارك وفقط، وإنما قامت ضد مجمل الأوضاع السياسية، وبالطبع فإن وضع الأحزاب كان ضمن ذلك، وبدا من الحالة التى سادت بعد تنحى مبارك أن هناك تحديا أمام الأحزاب وقادتها يتمثل فى، إما تجديد نفسها فى خطابها وقيادتها، وإما ستبقى على حالها كرقم مهمل ليس أكثر، وبالطبع فإنه لا يمكن تجاهل أن هذا التحدى لن يكون بمعزل عن المشهد السياسى السائد.
كانت ولادة أحزاب جديدة بعد الثورة دليلا على ارتفاع حالة الطموح السياسى من جانب، على أن الأحزاب القديمة لم تعد تلبى قطاعا واسعا من الشباب، ولم يستمر هذا الحال طويلا، مما أدى إلى أن تواصل الحالة الحزبية تشوهها الذى كانت عليه قبل الثورة، فلا أحزاب موجودة فى الشارع، ولا يذهب الناخبون إلى صناديق الانتخابات لاختيار حزب بعينه يحمل برنامجا سياسيا مؤثرا وجاذبا، فكيف ينجح الحزب الناصرى أو أى حزب فى ظل هذه المعادلة؟
سؤالى يحتاج لإجابة دقيقة من قيادات الحزب الناصرى الجديدة، إجابة تقوم على تشخيص دقيق للحظة الراهنة فى كل شىء، فى الأوضاع السياسية التى تعرقل نضج الحياة الحزبية، تشخيص للأوضاع بمجملها، بما يشمل المسار السياسى الحالى، وما إذا كان يحقق العدالة الاجتماعية أم لا؟ أى تقديم إجابة عن انحيازات النظام الحالى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلى مدى يتقارب ويتباعد عن الرؤية الناصرية فيها.
مطلوب تشخيص دقيق للأوضاع العربية الراهنة، وفى القلب منها القضية الفلسطينية بموقفها الحالى، والخلافات العربية المحتدمة التى وصلت الآن إلى حروب متبادلة، وخلاف فى تشخيصها بين الناصريين أنفسهم، ولعل الأزمة السورية خير دليل على ذلك، فهناك من يقف مؤيدا لنظام بشار، وهناك من يرفضه، ويستند الطرفان على حجج قومية عروبية، وهناك قضايا أخرى على نفس المستوى.
بالطبع هناك ثوابت ناصرية يتم القياس عليها غير أن هناك اجتهادات فيها تتناسب مع الأوضاع المستجدة، وإذا كان هناك خلاف فى الرؤى بين أطياف ناصرية حول ذلك، فكيف سيدار الأمر بما يحقق حدا أدنى من التوافق، وذلك لو كانت هناك إرادة حقيقة فى لم الشمل من جديد بإعادة الطيور المهاجرة، أما إذا كان هناك اتفاق على أن كل الوثائق السياسية التى سيتبناها الحزب هى طيف ناصرى واحد فهذا حقهم، وبالتالى لا يلزم أحدا غيرهم، وفى هذه الحالة لن يكون الأمر مختلفا عما مضى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة