بعد حرب فكرية ونفسية وبشرية استطاع المصريون فى 30 يونيو أن يتخلصوا من «حكم المرشد» فى انتفاضة شعب أبى أن يتم الزج به فى معارك بالية وأن يتم استهلاك مستقبله فى رجعية لا طائل منها ولا فائدة، فرفض فكرة «حكم المرشد» كانت فى الأساس رفضا للوصاية باسم الدين، والاتجار بالدين، والنصب باسم الدين، وفى المعنى الثقافى حمل هذا الرفض قطعا لطريق العودة إلى الجهل والرجعية، وانتصارا للحرية الفردية على الوصاية الفوقية، لكن للأسف تظل آثار هذه الروح البالية فى بعض الأنفس التى تشبعت بثقافة الوصاية وتشربت فكرة زج الدين فى كل شىء حتى تشوه الدين وتشوه كل شىء.
بعض من أثار هذا التشوه هو ما ظهر فى إحدى الصور البليغة التى نشرت فى «اليوم السابع» مرفقة بتقرير حول حملة مكبرة شنها حى الزيتون برئاسة اللواء هشام عبدالحميد بالتعاون مع شرطتى المرافق والتموين، بالإضافة إلى لجنة من إدارة الطب البيطرى بالحى، حيث قام رئيس الحى بالتفتيش على بعض محلات اللحوم والدواجن والبقالة الكبرى «السوبر ماركت» وأجرى الأطباء البيطريون الموجودون فى الحملة كشفا على منتجات اللحوم والدواجن بمحلات شهيرة لبيع المنتجات بالجملة والقطاعى، فأسفرت الحملة عن مصادرة كميات كبيرة من اللحوم والدواجن والجبن الفاسد، وتم إعدامها أمام باب المحل، والتنبيه على مدير الفرع بأن الحملات مستمرة، وفى حالة وجود أى مخالفات جديدة سيتم إغلاق الفرع، لكن ما لفت نظرى فى الأمر ليس نشاط الأجهزة التنفيذية فى المحافظة، وليس مقدار المأكولات المصادرة، وإنما لافتة كبيرة مكتوب عليها بالبنط العريض «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» كتبت على واجهة أحد المحلات التى كانت تبيع المأكولات الفاسدة.
مشهد مؤلم، أن يمتزج الغث بالسمين، وأن تصبح كلمات الله ستارا تختبئ خلفه أطعمة فاسدة، وأن يفقد الناس الثقة فيمن يحملون كلمات الله فوق رؤوسهم لعلمهم بأن تلك الكلمات ليست أكثر من «عدة النصب» التى ينصب بها هؤلاء التجار على زبائنهم.
مسخرة كاملة الأركان، أن يتحول الدين إلى ألعوبة فى يد بعض التجار وأن يصبح الدين أداة من أجل الإيهام بالمصداقية والشفافية بينما تحمل الحقيقة رائحة العفن والفساد، وللأسف هذه التضليلات تنتشر فى مجتمعنا بشكل هائل يصعب علينا حصره، فمعظم أبناء الشعب المصرى يتاجرون بالدين فيعلقون الآيات القرآنية ويديرون مؤشر الراديو على إذاعة القرآن الكريم ويحشرون كلمات الله فى أحاديثهم، لكن للأسف لا أحد يعمل بآية ولا أحد يتقى الله فيما يصنع، وبالممارسة تحولت المظاهر الدينية إلى باعث على الريبة، بعدما كانت باعثا على الطمأنينة، ما يؤكد أننا بحاجة إلى 30 يونيو أخرى، للقضاء على ذلك المتاجر بالدين فى كل شبر فى مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة