قبل أن تخرج أسماء المعينين فى مجلس النواب، كان الجدل الأكثر عن اسم المستشار سرى صيام لسببين الأول قامته القانونية باعتباره رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء سابقا وثانيا لأن التكهنات دارت حول ترشحه لرئاسة البرلمان بعد رفض المستشار عدلى منصور، ومن هذا الجدل، تعلق العشرات من النواب بالمستشار سرى صيام، اقتربوا منه فى الأيام الأولى لعمر البرلمان وشاهدوا تحركاته ومداخلاته المختلفة، حتى أن الصجفيين المكلفين بتغطية البرلمان كانوا يراقبون صيام عن بعد، يحاولون من وقت لآخر استكشاف الرجل الذى عاد إلى الحياة العامة بعد غياب 4 سنوات.
بداية ظهور شخصية سرى صيام، كانت فى اليوم الأول للبرلمان، حيث جلس فى الصف الأول، وتحدث فى النصف الثانى من اليوم عن آلية اختيار الوكيلين وطريقة التصويت، والأهم ليس عن ماذا تحدث ولكن كيف تحدث، كان ثابتا، هادئا، يخرج الكلمات بلغة عربية رشيقة ملتزما بالرفع والنصب والجر، وهو أمر شد انتباه الجميع.. والجميع هنا المشاهدون فى المنازل للجلسة الأولى قبل النواب أنفسهم الحاضرون فى القاعة.
مرت أيام معدودة من عمر البرلمان، وبدأ سرى صيام يطلب الكلمة من جديد، يتلقاها بكل حرفية، يتحدث فى المضمون مستخدما لغة القانون الخالصة ليبهر أعضاء البرلمان مع كل مرة، كيف ينتقل بين مواد القانون والدستور واللوائح المختلفة ليشرح وجهة نظره، حتى وصل الصدام بينه وبين رئيس المجلس، فى أحد المناقشات، وهنا بدا واضحا أن هناك مناظرة قانون بين اثنين من أهم رجالات البرلمان.
انتهت الجلسة وبدأ مفهوم المناظرة يأخذ منحى آخر، تشكلت لجنة إعداد اللائحة الداخلية للبرلمان، وسرى صيام ليس من بين أعضائها، سافرت وفود دولية باسم البرلمان للعراق وسرى صيام ليس من بين الوفد، ترأس بعض النواب اللجان النوعية المؤقتة للبرلمان وسرى صيام ليس رئيسا لأية لجنة ولا حتى وكيلا، بدأت تظهر الأسماء المرشحة لرئاسة اللجان بشكل دائم وسرى صيام خارج الترشحات، فكان القرار للرجل أن يبعد هو طالما أن هناك نية لإبعاده.
إن سألتنى عن تقييم خطوة سرى صيام، فأرى أنها مبنية على قاعدة صحيحة ولكنها تضر به أولا قبل أن تضر بالبرلمان، لأن قيمة صيام ليست فى رئاسته للجنة تشريعية أو حتى لإعداد اللائحة وإنما قيمته لأنه المرجع القانونى للبرلمان وصورة البرلمان الطيبة التى توسم فيها الكثيرون خيرا، هو يعمل لصالح البرلمان دون أية مصالح، يسخر كل تاريخه القانونى من أجل ذلك، انسحابه من المشهد يغلق صفحة جديدة من حياته كانت الجميع ينتظر منه فيها أن يقدم شخصية سرى صيام بشكل مختلف، لا سرى صيام قاضى المنصة، ولكن سرى صيام النائب المشرع المراقب.
كصحفى مهتم بالشأن البرلمانى، خسرت سرى صيام، خسرت كلماته ومداخلاته ومناقشاته النوعية المهمة، أقول لك ذلك لأنى عندما تصفحت مضبطة مجلس النواب الأسبوعين الماضيين، اكتشفت أن بعد كل كلمة لسرى صيام كان فريق كتابة المضبطة يضعون تنويها (تصفيق حاد من الأعضاء)، الأعضاء صفقوا لصيام لأنهم وجدوا فيه رجلا حكيما، فاهما، يزيد ثقل البرلمان.
رجائى أن يتراجع سرى صيام عن الاستقالة، ويفكر فى مستقبل جديد ينتظر البرلمان، مستقبل يتضمن مزيدا من التشريعات والقوانين المهمة التى تحتاج لمن يحسن صياغتها ويعمل على جودتها.