قبل خمس سنوات ويومين، هتف الملايين: «ارفع رأسك فوق أنت مصرى»، زلزل الهتاف ميدان التحرير، وخرج من حناجر المصريين بعد أن خرج اللواء عمر سليمان، نائب مبارك، على شاشة التليفزيون يعلن تنحى مبارك عن الحكم.
كان الحدث ختاما لـ18 يوماً عظيمة فى تاريخ مصر، هى عمر ثورة 25 يناير، وفى مساء اليوم اجتمعنا على مقهى بالقرب من جامعة القاهرة، كان بيننا الصديق الدكتور حمادة الحسينى، الذى جاء من عمله بالسعودية خصيصاً للمشاركة فى الحدث، والصديق الدكتور حاتم رزق القادم من أمريكا، حيث يعمل للمشاركة فى هذه الملحمة الوطنية العظيمة، كنا نعيش نشوة الانتصار وتحقيق الحلم، وكانت ثقتنا فى المستقبل بلا حدود، ومن علاماته أن الصديقين اللذين خرجا إلى أرض الله الواسعة لأجل الرزق الحلال، شغلهما التفكير فى العودة إلى مصر بعد غربة لسنوات، لم يكن تفكير الصديقين يخصهما فقط، بل كان تفكير كل أبناء مصر المهاجرين، أذكر أننى قابلت العشرات من هذه النوعية فى ميدان التحرير طوال الـ18 يوماً، مصر وقتها كان يتم استعادتها، الاستعادة كانت تعنى أن كل مصرى يصدق أن سماء بلده تتسع لآماله وأحلامه. كان تفكير العودة وليد قناعة بأن الذى شهدته مصر فى 18 يوماً سيبقى، وأن القادم لن يكون للفهلوة والاستعباط والفساد، الذى ساد مصر منذ منتصف السبعينيات فى القرن الماضى، وبلغ ذروته فى حكم مبارك.
لم يدر بخلد أحد أن النهابين والهباشين والفاسدين سيحصلون فقط على إجازة من الإرهاق فى رحلتهم، التى دامت طويلا، الإرهاق لم يكن من الـ18 يوماً فقط، ولكن من كل فترة ضوء صنعها المصريون عبر تاريخهم من مقاومة غاصب، فاسد، مستبد، ظالم، محتل، خائن، ففى هذه الفترات التى تأتى متقطعة فى تاريخ مصر ينادى المنادى: «هلموا إلى الحق والخير والجمال»، فينصرف أهل الباطل، والشر، والقبح، حتى تتهيأ الفرصة لعودتهم فيعودون، وهكذا تمضى مصر عبر تاريخها بين نداءين.
طردت مصر نداء القبح فى الـ18 يوماً، وتواصل الطرد فى الأيام القليلة التى تلت تنحى مبارك، من يعود إلى هذه الأيام، سيجد أبناءنا فى الخارج، وهم يتسابقون فى تقديم مبادرات فى البناء والنهضة، سيجد من يبدى رغبته فى التبرع، سيجد أفكارا لمشروعات فى التنمية الزراعية والصناعية.
سيجد ملاحم شعبية عن المشاركة الجماعية فى الداخل، مجموعات الشباب تنزل إلى شوارعها فى المدن وقراها فى المحافظات فى حملات تنظيف وغسيل وزرع أشجار، ورسم لوحات مجسمة عن الشهداء الذين سقطوا، صديقنا الكاتب المبدع حمدى عبدالرحيم نظف شارعه وفاء لندر قطعه على نفسه، وفى كل القرى كان هناك امتداد لـ«حمدى»، ساد الحديث عن القيم والمبادئ، لم يعد موظف يفتح درج مكتبه كى يدفع المواطن لإنهاء مصلحته، كل فاسد كان يمسك قلبه بيده، خوفا من المجهول القادم، حملات التوعية فى كل مكان، نداءات بإنهاء المسكوت عنه فى التاريخ، وكان بطلنا العظيم الفريق سعد الدين الشاذلى بطل حرب أكتوبر نموذجا لذلك، مات الرجل يوم 10 فبراير 2011 قبل تنحى مبارك بيوم واحد، لكنه شاهد المصريون يثورون ضد من ظلموه، وضد من حاولوا مسح سيرته فى التاريخ.
هكذا كانت مصر تفتح صدرها وقلبها للحق والخير والجمال، فكان الإغراء بالعودة للمهاجرين، ومع مرور الوقت تبخر الحلم.
مضت خمس سنوات، ولم يعد الذين تمنوا العودة، ومن عاد عض أصابعه ندما، وبحث عن أول فرصة للطيران، فمن المسؤول؟
يحضرنى قول لكاتبنا العظيم الراحل محمود عوض: «الحرية لا يمنحها حاكم لكن تنتزعها الشعوب»، فهل ما قدمه المصريون لم يكف بعد طلبا للحرية؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
زيكو
نعم لم يكفى