لم يتضمن البرنامج الرئاسى لبوش الابن فى ولايته الأولى سنة 2001 سطرًا واحدًا عن الشرق الأوسط، وتجاهل تمامًا قضية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وكان تركيزه الأكبر على الصين، الشيطان الجديد الذى حل محل الاتحاد السوفيتى المنهار، وأخرج من الأدراج خطط حرب النجوم التى أعدها الرئيس نيكسون، وسخرت لها الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات، وأنتجت السينما الأمريكية عشرات الأفلام عن حرب النجوم، حققت إيرادات غير مسبوقة فى تاريخ السينما الأمريكية.
انقلب الموقف رأسًا على عقب بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وفوجئت الولايات المتحدة بأن الخطر الرهيب يأتى من الشرق الأوسط، ومن دول الشر الجديدة، أفغانستان والعراق، فتغيرت البرامج، وتبدلت الخطط بعد أن تمكن تنظيم القاعدة من استخدام الطائرات بصورة أقوى من القنبلة الذرية، وتدمير برجى التجارة، ولم تعد الأسلحة النووية التقليدية ولا الكائنات الفضائية هى الشيطان الذى يهدد أمريكا بالفناء، بل المسلمون المتشددون الذين تجرأوا على المساس بالوحش الكاسر، وبعد غزو أفغانستان جاء الدور على العراق.
بعد انتهاء الحرب وتدمير العراق، كشفت الدوائر الأمريكية أسرارًا مذهلة، أهمها أن صدام لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، ولم تكن له علاقة بتنظيم القاعدة، وأن التقارير التى اتهمته بذلك كانت من صنع أحمد الجبلى، الجاسوس العراقى الذى جندته أمريكا، ورد بوش على ذلك بوقاحة، مؤكدًا أنه كان سيغزو العراق حتى لو تأكد أنها لا تمتلك أسلحة دمار شامل، وقرر حكام البيت الأبيض استكمال خطة تفكيك دول المنطقة، وإعادة تركيبها من جديد بعد إنهاك قواها واستنزاف مواردها.
لم تسعفهم نظرية الفوضى الخلاقة فى إحداث الدمار الشامل والفناء الذاتى، فتم تعديلها إلى «إيقاظ الصحوات الإسلامية»، داعش فى سوريا والعراق، والحوثيون فى اليمن، والقاعدة فى ليبيا والجزائر والمغرب، والإخوان فى مصر، بحيث تفجر كل «صحوة» صراعًا دينيًا دمويًا مع الجماعات الأخرى، على غرار ما يحدث بين السنة والشيعة، وحققت النظرية الجديدة نجاحًا ساحقًا، واشتعلت الفتن والحروب على النحو الذى نراه الآن.
الأمر لن يتوقف عن هذا الحد، فالخبراء الأمريكيون يتوقعون استمرار الحروب الدينية فى الشرق الأوسط، بنفس الزمن الذى استغرقته الحروب الدينية فى أوروبا، أى ثلاثين عامًا، حتى تُنهك قوى الشعوب، وتنضب مواردها، وتكون مستعدة للجلوس على موائد التفاوض، وقبول ما يُملى عليها من خطط التقسيم، فيولد شرق أوسط جديد مطيع ومستسلم، وتهيمن على أقداره ومقدراته إسرائيل القوية.
كان مستهدفًا أن تكون مصر النموذج الحى الذى يتم تصديره للدول الأخرى، وحقق لهم الإخوان الخطوة الأولى بإدخال صراع السنة الشيعة لمصر، فى حادث قتل الشيعى حسن شحاتة، ومحاولة زج مصر فى الحرب السورية على أساس دينى، وتوقف المخطط بعد الإطاحة بالإخوان، ونجاح الجيش المصرى فى الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
الخطر لم ينته، وأمريكا لم تتراجع عن خطط إشعال الفتن والحروب الدينية فى الدول التى لا تزال مستقرة حتى الآن، ولعل المستهدف هو دول الخليج، وبدأت بالفعل بوادر فتن وصراعات، وتوريطها فى معارك صغيرة تتطور إلى حروب كبيرة لا تنتهى، مثلما يحدث فى اليمن، أما مصر فما زالت عليها العين، فهى القلب النابض الذى يضخ الدماء لسائر دول المنطقة، والسيناريو القادم هو إعادة استدعاء الفوضى والاضطرابات والاعتصامات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة