هل تنقذ التغيرات البيضاء الجزائر؟.. الأسبوع الماضى كان مختلفاً كثيراً على الجزائر، فقد شهدت حركة تغيير بيضاء شملت أمرين مهمين، الأول هو إقرار البرلمان لتعديلات دستورية ترسم ملامح النظام لمرحلة ما بعد الرئيس الحالى عبد العزيز بوتفليقة، والثانى بحل دائرة الاستعلام والأمن (الاستخبارات) نهائيا واستبدال ثلاث مديريات بها، ينسق عملها مستشار فى رئاسة الجمهورية، لتقضى الجزائر على أسطورة المخابرات التى كانت تعد بمثابة دولة داخل الدولة.
أبرز ما جاء فى التعديلات الدستورية هو إعادة تحديد حكم رئيس البلاد بولايتين فقط، كما سيحظر على الجزائريين مزدوجى الجنسية تولى مناصب رسمية عليا، وهو التعديل الذى سيثير تحفظ الجزائريين الذين يحملون الجنسية الفرنسية ويقدر عددهم بمئات الآلاف، بالإضافة بالطبع إلى اعتبار الأمازيغية «لغة وطنية ورسمية»، وهو مطلب قديم لقطاع كبير من الجزائريين المتحدثين بهذه اللغة فى منطقة القبائل وسط الجزائر ولسكان منطقة الأوراس فى الشرق والطوارق فى الجنوب.
حركة التغيير البيضاء فى الجزائر جاءت فى وقت ما زال الغموض يسيطر على مستقبل الحكم فى الجزائر بسبب المتاعب الصحية التى يعانى منها الرئيس بوتفليقة، والذى سبق أن عدل الدستور قبل ذلك للتمكن من تولى أربع ولايات رئاسية متتالية، فقد انتخب عام 1999 ثم اعيد انتخابه عام 2004 ثم تسلم ولاية ثالثة عام 2009، والآن يكمل دورته الرئاسية الرابعة التى بدأت عام 2014، ووفقاً للتعديل الدستورى الجديد بإمكان بوتفليقة إنهاء ولايته الرابعة حتى 2019 والترشح لولاية خامسة إذا رغب بذلك، لكن كل المؤشرات تقول إن هذا لن يحدث بسبب تدهور صحته التى جعلته بعيداً عن الظهور الإعلامى، إلا فى لقاءات نادرة مع مسؤولين أجانب.
الحكومة الجزائرية تنظر للتعديلات الدستورية الأخيرة على أنها تكريس للتداول الديمقراطى «عبر انتخابات حرة»، لكن المعارضة تعتبرها عكس ذلك تماماً، فرئيس الحكومة الأسبق على بن فليس الذى خاض قبل عامين المعركة الانتخابية ضد بوتفليقة قال، إن الهدف من التعديل الدستورى «حل مشاكل النظام السياسى الحالى وليس حل مشاكل البلاد»، وهو ما يؤكد استمرار الخلاف الداخلى الذى ينبئ بمستقبل غير مستقر سياسياً على الأقل فى الجزائر، التى تعيش مخاضا صعبا هذه الأيام يراقبه الجميع خاصة جيرانهم العرب ممن لديهم تخوفات من انفلات زمام الأمور فى الجزائر، مما سيسهم فى تفجر منطقة المغرب العربى بأكملها.
لماذا الخوف من التدهور السياسى فى الجزائر؟
الجزائر جار لمالى ولليبيا، والدولتان معروف أن على أراضيهما تنشط جماعات إرهابية وميليشيات مسلحة، ووجود جزائر قوية يساعد فى صد ومواجهة التحركات التى تقوم بها هذه الجماعات الإرهابية خارج حدود الدولتين، وتحديداً فى بقية دول المغرب، تونس والمغرب، فضلاً عن مصر التى تعانى من تدفق السلاح عبر الحدود الليبية وتحديداً بعد أحداث 2011، لذلك فإن هناك مخاوف من حدوث انفلات سياسى فى الجزائر يعقد الأوضاع فى المنطقة، ويسمح للجماعات الإرهابية بالتحرك بحرية تامة، مهددة الأمن القومى لدول كثيرة.
ربما يكون من باب الاطمئنان ما بثته الصحف الجزائرية قبل أيام من وجود اتجاه لاستحداث جهاز متخصص فى مكافحة الإرهاب على مستوى قيادة الجيش يتكون من أجهزة أمنية وأذرع عسكرية سريعة الحركة، وقالت المصادر، إن الإجراء بدأ بالفعل فى 2015 عندما تقرر أن تتخصص وحدات القوات الخاصة بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على أن ينحصر دور باقى وحدات الجيش فى الإسناد فقط.
وهذه الخطوة من جانب الجيش الجزائرى جاءت بعد التغييرات التى أحدثها الرئيس بوتفليقة فى الأجهزة الأمنية، حيث فكر الجيش الجزائرى فى إنشاء جهاز مركزى لمكافحة الإرهاب يحاكى ما هو موجود فى دول غربية ويتكفل بالتحقيقات حول شبكات المنظمات الإرهابية وعمليات مكافحة الإرهاب، من خلال عقيدة جديدة فى التعاطى مع التهديد الإرهابى يتم العمل عليها داخل الجيش الجزائرى حالياً، تقوم على تكليف القوات الخاصة، وهى كتائب المظليين ومجموعات القوات الخاصة للمناورات، بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، على أن تكون مهمة باقى قوات الجيش محصورة فى الإسناد فقط.
هذه الخطوة ربما تقلل من المخاوف الإقليمية من التطورات السياسية التى ربما تحدث مستقبلاً فى الجزائر، لكنها أيضاً ليست كافية خاصة فى ظل ما يتردد عن حالات تذمر بسبب الأوضاع الاقتصادية، ربما تكون سبباً لتغيرات وتحركات غير متوقعة.