خلال الساعات القليلة الماضية، وجدنا تغييرا استراتيجيا فى نهج حركة 6 إبريل، من تبنى نعرة التهديد والوعيد، وأنها الحركة الوحيدة المالكة لحقوق الفهم، وصكوك الوطنية، والقدرة على رفع راية العصيان ضد كل من يخالفها الرأى والنهج، إلى طرح سؤال على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك»: «فى رأيكم إيه هى الأخطاء اللى وقعت فيها 6 إبريل؟».
وأيضا طرحها على نفس الصفحة، فجر أمس الثلاثاء، سلسلة اعترافات مهمة، فى تقديرى الشخصى، حيث قالت إنها وشباب الثورة والنشطاء السياسيين، عزلوا أنفسهم مع الوقت «عما حولهم»، وانسحبوا فى «فقاعة آمنة» يتكلمون فيها مع أنفسهم، وتحول كل منهم بقصد أو بدون قصد إلى قائد يتكلم باسم الشعب، فى حين أنه لا يمثل إلا نفسه أو فى أفضل الأحوال أصحابه. وقالت أيضا: «من أكبر الأفكار الخطأ اللى وقعنا فيها السنين اللى فاتت هى التعميم والتوسع فى إطلاق الاتهامات.. التعميم من أهم العوامل الموضوعية للوقوع فى خطأ التفكير، وأكبر مثال على التعميم هو عبارة.. الشعب المصرى أعظم شعب فى العالم.. اللى قولناها بعد التنحى واللى تحولت مؤخرا إلى.. الشعب المصرى عبيد.. أو شعب ميستاهلش.. التعميم والمبالغة مستمرين طول الوقت».
هذه الاعترافات المهمة لو كانت مبنية عن قناعات فكرية، وترجيح كفة صوت العقل والمنطق، فهو أمر رائع نثمنه، ونقدره، وندفع به إلى خانة «الفضيلة» فالاعتراف بالخطأ فضيلة، أما إذا كانت مناورة جديدة، بالتنسيق مع جماعات وتنظيمات متطرفة، بهدف العبث فى الاصطفاف الوطنى، فهنا سنقف أمامها بكل قوة، والمصريون أصبح لديهم القدرة الفعالة فى عملية الفرز بين الغث من الثمين، بعد اكتسابهم خبرة عملية طوال السنوات الخمس الماضية.
6 إبريل فى سلسلة اعترافاتها ومراجعتها الفكرية، قالت نصا: «الشعب المصرى دا مش حاجة واحدة.. دول ملايين بينهم اختلافات كتير فى كل حاجة فى المستوى والمادى والاجتماعى والدينى والعمرى، والاختلافات دى بينتج عنها اختلافات فى التفكير والمعتقد وطريقة التعامل مع الأحداث، لو فهمنا دا هنفهم إنه مش كل الشعب كان مع مبارك ولا كل الشعب كان مع الثورة، ولا كل الشعب كان مع مرسى.. الشعب مش إحنا بس ولا أصحابنا ولا اللى حوالينا ولا زينا».
وقالت: «لازم نفهم ده ونفهم إزاى نتعامل معاه بموضوعية، لأن اللى حصل أن ما اتفق على تسميتهم بالنشطاء السياسيين وشباب الثورة وغيرها من المسميات عزلنا نفسنا مع الوقت عما يدور حولنا، وانسحبنا فى فقاعة آمنة، بنكلم فيها نفسنا، وتحول كل منا بقصد أو بدون قصد إلى قائد يتكلم باسم الشعب، فى حين أنه لا يمثل إلا نفسه أو فى أفضل الأحوال أصحابه».
هذه الاعترافات المتأخرة جدا، تؤكد ما كنا ننادى به فى عشرات المقالات السابقة فى نفس المكان فى جريدتنا الغراء «اليوم السابع»، وفى رؤيتنا لتقييم الأمور، وعانينا من الاتهامات التافهة والسمجة، وحملات التسفيه والتسخيف التى قادتها الحركة نفسها ضد ما نكتبه، واتهمتنا وكل حلفائها والمتعاطفين معها بأننا «نطبل للنظام» وعبيدى البيادة، ثم فوجئنا فى اعترافاتها تعيد إنتاج كل ما كتبناه هنا.
اعترافات 6 إبريل بخطاياها السياسية فضيلة، وتلجم ألسنة كل من كان يزايد باسمها، ويستثمر أخطاءها ضد الشعب، ويوظفها لصالحه سياسيا فى محاربة الدولة، بشرط أن تكون المراجعات الفكرية حقيقية وراسخة على الأرض، وليست مناورة هدفها إعادتها للحياة من جديد، لأن مخاطر مثل هذه المناورة كارثية، ونتيجتها اندثار مصداقية الحركة نهائيا، ووأد تجربتها تحت الرمال المتحركة.
دندراوى الهوارى
توبة 6 إبريل المفاجئة وتطهرها من الخطايا.. حقيقة أم مناورة؟
الأربعاء، 17 فبراير 2016 12:00 م