عندما أعلن الشيخ على عبدالرازق، فى عشرينيات القرن الماضى، من خلال كتابه «الإسلام وأصول الحكم» أن الخلافة ليست أصلا من أصول الإسلام، قامت الدنيا ضده وهاجمه الكثيرون معتبرين أنه تطاول على الثابت من الدين، وبعد أكثر من 90 عاما مازالت المؤسسات الدينية تنظر بشك كبير إلى أى نظام سياسى خارج إطار الخلافة المتوارثة ولعل آخر ذلك ما فعله مرصد الأزهر بـ«الديمقراطية».
ففى تقرير قامت به اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر الشريف أفاد أن «الديمقراطية» مصطلح دخيل على الإسلام، وأن غايته إتاحة الحريات وأنه باسم الحريات وباسم حقوق الإنسان توضع قوانين تبيح الزنا والمثلية الجنسية وشرب الخمر وغير ذلك الكثير، وأنه حتى لو انتبهنا للرأى الإيجابى للديمقراطية الذى يعنى حكم الأغلبية فإن هذه الأغلبية ستضع قوانين بغض النظر عن الأخلاق والدين، وضرب التقرير أمثلة بما يحدث فى أوروبا من إشاعة الفاحشة والمنكرات، ثم عاد ليتحدث عن خصوصية الثقافة داخل كل مجتمع.
وهنا عدد من الأسئلة التى تطرح نفسها منها، ما الغرض من هذا التقرير، ومن المقصود به، ولماذا فى هذا التوقيت؟ والمعروف أن عددا كبيرا من المنتمين للمنظمات الدينية خاضوا انتخابات مصر وهم يحرمون الديمقراطية لكن غلبت عليهم الحياة الدنيا فأعلنوا غير ما يبطنون وكانت نيتهم أنهم سيغيرون كل ذلك بعد تمكنهم من مقاليد الأمور، لكن كنت أظن الأزهر الشريف كمؤسسة بعيدا عن هذا الأمر، ولم أكن أعتقد أنه بعد هذا الوقت الطويل الذى استخدمت فيه الديمقراطية كنظام سياسى فى العالم له ما له وعليه ما عليه أن يقرر أحدهم أن نعود مرة أخرى للخلف ونبدأ من جديد من نقطة الصفر.
لكن المتتبع للتصريحات الأخيرة لكثير من أصحاب المرجعية الدينية المشغولين بالرأى العام يشعر بأن هناك خطة تسعى لمواجهة ما يسمونه «العلمانية» وفى التقرير الذى نحن بصدده يعرف الديمقراطية فى أحد وجوهها بأنها تسعى لفصل الدين عن الدولة، لكن هذه الخطة المقصود بها فى النهاية «الحرية الفردية» خاصة التفكير وحرية الإبداع، فمازال تاريخ الخلافة يلقى بظلاله على المؤسسات الدينية، فيرون كل وافد من الآخر هو «الشر» لكن لسنا هنا لندافع عن «الديمقراطية» لكن لنتحدث عن طريقة التفكير التى تصدر عن أكثر المؤسسات الدينية وسطية فى مصر، حيث لجأ التقرير لتخويف الناس واتخذ من ثقافات مغايرة كما يقول واعتبر ذلك أصلا سيتم تطبيقه.
علينا أن ندرك أن هناك تنظيمات إرهابية تتربص بالجميع و«داعش» ليس ببعيد عنا، لذا يجب أن ننتبه لأنفسنا ونراجع طرق تفكيرنا ونعرف الغرض مما نقوله ومما نقصده، حتى لا نصبح من النادمين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يسرى
الى كاتب المقال