من يقرأ خبر الأمس بقيام ضابط كمين المرور المركزى فى ميدان صلاح الدين بالقلعة بالقاهرة بسحب رخص إحدى سيارات حى الخليفة، التى كان يستقلها رئيس الحى سعيد عبد الجواد، أثناء مروره بشوارع الحى بسبب سيره عكس الاتجاه بالميدان، سيقع فى حيرة حقيقية ودهشة وفريسة التصديق وعدم التصديق.
أصحاب النوايا الحسنة والمتفائلون دائما وتاريخيا - أمثالى - سيصدقون الواقعة ولما لا يصدقونها، فهناك مازال من لديه ضمير وهناك ضباط شرفاء يؤدون وظيفتهم بأمانة وشرف ويطبقون القانون على أى مخالف مهما كان منصبه أو ظيفته أو حيثيته لأن القانون فى الأصل تم وضعه لتطبيقه أولا على الأقوياء والكبار وعلية القوم فى المجتمع وليس لإذلال الضعيف والفقير والمسكين.
هذه الفئة من الضباط مازال لديها بصيص من الأمل فى الإصلاح وتطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين الجميع، فالجميع سواسية أمام القانون ولذلك خلقت العدالة عياء لا تفرق بين رئيس ووزير أو خفير.
والبداية الصحيحة فى تقدم الأمم وتحضرها هو تطبيق القانون على الجميع وعلى القوى وصاحب النفوذ أولا، وليس استخدامه للبطش بالفقير، فضياع الأمم واندثارها يبدأ من ضياع هيبة القانون أمام الأقوياء وتحوله إلى وحش مفترس للضعفاء.
واقعة ضابط مرور القلعة لو حدثت فى الدول الأخرى المتقدمة فى أوروبا وحتى دول الخليج فستكون خبرا عاديا لأنه من الطبيعى أن القانون لا يعرف رئيس حى أو رئيس جمهورية أو ضعيف أو فقير، ويصبح خبرا عاديا جدا من الممكن عدم نشره. لكنه يقع فى مصر حيث تعتقد الغالبية من سكانها أن القانون فى إجازة دائما وأنه يستيقظ للضرورة فقط ولا يطبق إلا على الضعيف المسكين والفقير الغلبان، أما القوى وصاحب السطوة والحظوة والنفوذ فلن يهتم بمن يطبق القانون وسيواجه من يجرأ على تطبيق القانون عليه بالجملة التاريخية الشهيرة فى التراث الشعبى المصرى: «ما تعرفشى أنا مين..؟!» فى تهديد واضح للضابط أو غيره وفى تلميح واضح بالتغاضى عن المخالفة.
وفى مناسبة ضابط مرور القلعة وأثناء عملى فى صحيفة «البيان» الإماراتية التى تصدر فى دبى نشرت الصحيفة وفى صفحتها الأولى صحيفة المخالفات المرورية لقائد شرطة دبى وقتها الفريق ضاحى خلفان تميم، وكانت حديث المجالس والناس فى دبى والإمارات، لكن للأمانة أن الصحيفة التزمت بنشر أن قائد الشرطة قام بتسديد المخالفات، ويومها خرج قائد شرطة دبى على وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة ليعلن دون خجل أنه بالفعل ارتكب هذه المخالفات بسيارته الخاصة وقام بتسديدها والتزم بالتعليمات أمام فرد المرور الذى خالفه وهو يعرفه جيدا كقائد الشرطة، قائلا: «لو لم يخالفنى لأوقفته عن العمل وأحلته للتحقيق» لأن القانون فى الإمارات يطبق على الجميع دون استثناء. ولذلك هى دبى الإمارة التى أصبحت مرادفا فى أذهان العرب جميعا للنظام والالتزام.
يجب أولا توجيه التحية إلى الضابط الهمام الشجاع الشريف الذى لا أعرف اسمه على أدائه وظيفته وتطبيق القانون على رئيس الحى المخالف بجرأة يحسد عليها للقانون وهو أول من يجب عليه الالتزام. وعلى وزير الداخلية تكريم هذا الضابط لتشجيع باقى زملائه.
لعل واقعة رئيس حى الخليفة تكون بداية لإعادة هيبة القانون لإعادة الانضباط والالتزام فى الشارع المصرى حتى يشعر البسطاء أنهم فى حماية دولة القانون ويعيشون فى ظلالها سالمين آمنين. بالتأكيد هناك من ترتسم على وجهه علامات السخرية اعتقادا منه أن شيئا لن يتغير وأن القانون فى مصر لصالح الأغنياء والأقوياء فقط..!