فى تاريخ مصر طوال المائة سنة الماضية حملات اجتماعية واقتصادية مشابهة لفكرة الرئيس السيسى «صبح على مصر بجنيه»، التى أطلقها خلال مؤتمر «رؤية مصر 2030»، وبهدف توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية، وإعادة نشر فكرة التضامن الاجتماعى من جديد فى نفوس المصريين فى دعم مشروعات قومية، للاسغناء بقدر ما عن الاستدانة والقروض والمساعدات من الخارج، رغم أهميتها ومعناها السياسى على الجانب الآخر.
الفكرة التى طرحها الرئيس ليست جديدة فى مصر، سبق وأن أطلق الزعيم أحمد حسين، مؤسس حزب مصر الفتاة، مشروعا وطنيا، التف حوله الشعب المصرى بأكمله فى عام 1931، حيث تبنى أحمد حسين مع المناضل فتحى رضوان «مشروع القرش»، لحث المواطن على المساهمة فى النهوض بالحالة الاقتصادية للبلاد، فى ظل الأزمة التى اجتاحت العالم عام 1929 وعرفت باسم «الكساد الكبير»، الفارق هنا أن مشروع القرش حظى بدعم حكومى كبير من حكومة إسماعيل صدقى باشا، وأمر بتقديم كل التسهيلات للمشروع، بل وتبنته لتحقيق شعبية فى الشارع المصرى على حساب حزب الوفد الأكثر شعبية فى ذلك الوقت، والذى حارب رئيسه مصطفى باشا النحاس المشروع، واتهمه بأنه «ضد الوطنية المصرية»، أما فكرة «صبح على مصر بجنيه»، فليس معروفا موقف الحكومة منها حتى الآن، وكيفية دعمها وتوسيع دوائر الاهتمام بها، مثلما فعلت حكومة صدقى فى الثلاثينيات مع حملة القرش التى حققت صدى واسعا وترحابا كبيرا من المواطنين، وشارك آلاف المتطوعين فى كل أنحاء مصر وكبار رجال الدولة، فكانت الفرق العسكرية تشارك فى بعض حملات المشروع والفنانين فى حفلاتهم، يخصصون له قدرا من الاهتمام، وغنى سيد درويش أغنيته الشهيرة «شد الحزم على وسطك ومد إيديى فى إيدك..لا بد عن يوم ويعدلها سيدك.. وإن كان شيل الحمولة على ضهرك يكيدك..أهون عليك يا مصرى من مدة إيدك».
الحماس الوطنى ألهب المشاعر لدى المصريين للالتفاف حول مشروع القرش، فكان الطلبة فى الجامعات يشاركون فى الترويج له، فيحملون الدفاتر الخاصة به، يذهبون بها إلى مدنهم وقراهم لجمع التبرعات، حتى بلغت حصيلته فى العام الأول حوالى 17 ألف جنيه، والعام التالى نحو 13 ألف جنيه، وكان مبلغا ضخما بمقاييس ذلك الوقت.
وحققت مصر شيئا من الاستقلال الاقتصادى فى هذه الفترة، وجنى ثمار التكاتف الوطنى حول مشروع القرش، فتم إنشاء قناطر فؤاد الأول بنجع حمادى، وتمت تعلية خزان أسوان عام 1932م وإصلاح قناطر أسيوط، وتأسيس بنك التسليف الزراعى العقارى، كان أكبر ربح جراء هذا المشروع ظهور حركة وطنية من الأغنياء المصريين لتشجيع الصناعة وفى مقدمتهم رجال بنك مصر.
ولحسن حظ أصحاب فكرة «مشروع القرش» أنهم لم يعيشوا زمن الفيس بوك والتويتر، وإلا كانوا قد تعرضوا لكم من السخرية والسخافة والشماتة و«التريقة» و«نكات الجهل» والإحباط والتيئيس من رواد هذه المواقع، مثلما حدث ويحدث مع فكرة «صبح على مصر بجنيه»، وإلا كانوا قد تخلوا عن المشروع، ولم يقدموا شيئا لمصر، ولم يحفزوا الهمم والحماس الوطنى.
زمن مناضلى الفيس بوك لم تعشه أم كلثوم فى حملتها للمجهود الحربى بعد هزيمة 67 التى جمعت فيه أكثر من 3 ملايين دولار، ولم يدخل جيبها دولار واحد رغم المشقة والعناء فى التنقل والسفر، وقد تجاوزت من العمر 68 عاماً، ووهبت كل حفلاتها للمجهود الحربى، ردت أم كلثوم عمليا على كل أعداء النجاح، الذين تقاعسوا عن المشاركة فى محنة الوطن، وتفرغوا للشماتة مثل ساكنى الفيس وتويتر.
«صبح على مصر» و«مشروع القرش» و«المجهود الحربى» ومعونة الشتاء، كلها أفكار وحملات هدفها شحذ الهمم والروح الوطنية والمشاركة المجتمعية.. ولا عزاء لتويتر وفيس بوك، خليكوا بعيد أرجوكم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أبوحميد
مطلوب من الدولة حسن إدارة الإقتصاد دون الإكتفاء بإلهاء الشعب عن تدهور حالة الكادحين من الشعب