فى عصر تكنولوجيا الاتصال ووفرة المعلومات، يصبح من الصعب على أى وسيلة إعلامية فى مصر أو فى العالم زيادة جمهورها، أو حتى الاحتفاظ به، لأن المنافسة حامية والخيارات والبدائل الإعلامية كثيرة ومتنوعة، والسوق مفتوحة أمام لاعبين جدد، من بينهم المواطن نفسه الذى تحول إلى صحفى وإعلامى من خلال السوشيال ميديا.
بات من الصعب جذب القراء أو زيادة الترافيك، كما كان يحدث فى الماضى، والأكثر صعوبة زيادة معدلات المشاهدة، وتثبيت الريموت كنترول للمشاهد النشط أمام هذه القناة أو هذا البرنامج، من هنا فإن الميديا والعاملين فيها يخوضون حربا ضروسا كل يوم وكل ساعة للانتصار فى معركة كسب الجمهور، وبالتالى كسب المعلنين، لأن زيادة المشاهدة وارتفاع التوزيع يعنى مزيدا من الإعلانات ومزيدا من الدخل للميديا التى تحولت إلى صناعة أكثر منها رسالة.
وفى وسط هذا التنافس المحموم وفائض المعلومات والأخبار، لجأ البعض إلى سلاح البذاءة لجذب الجمهور، من خلال سب وتجريح الخصوم وتخويفهم كنوع من الخروج عن المألوف، طبعا زمان وكما هو معروف كان «الجنس والسياسة والدين» الأسلحة الثلاثة التى تستعملها الصحافة الصفراء، أو إعلام الفضائح فى معركة جذب الجمهور، لكن هذا الثالوث صار موضة قديمة، كما أن كل اللاعبين فى الميديا قادرون على استخدامه، أما البذاءة فلها ناسها كما يقولون، والغجرية–كما يقول المثل المصرى ست جيرانها- لأن الجميع يخافون من قلة أدبها، وقدرتها الدائمة على الشتيمة والردح، المهم ظاهرة البذاءة فى الإعلام والسياسة بدأت مع ظهور محطة فوكس نيوز الأمريكية، التى تقدم كل الأخبار فى كل المجالات على أنها معارك واشتباكات ومسرح من الدماء والشتائم، وظهر أيضا فى أمريكا نجوم للبذاءة أشهرهم راش ليمبوج مقدم برامج إذاعى، يتابع برنامجه 15 مليون مستمع أسبوعيًا، والميلياردير دونالد ترامب الذى اشتهر بتقديم برنامج عنصرى فضائحى، ثم انتقل إلى السياسة، فهو مرشح محتمل لانتخابات الرئاسة عن الحزب، والرجل يشتم ويهدد الجميع، ويثير مخاوف الأقليات وأنصار الحريات، فقد دعا إلى طرد 11 مليون مهاجر غير مسجل، ومنع المسلمين من دخول أمريكا وهاجم البابا.
أما فى مصر فنجوم البذاءة أمثال ترامب كثيرون، سواء فى بعض قنوات التليفزيون الخاصة أو فى البرلمان، ولا داعى لذكر الأسماء، لأنهم تحولوا لنجوم ربما نتيجة غرابة أفعالهم، وفحش شتائمهم وكلامهم، وسوقية الطريقة التى يتكلمون بها أمام شاشة التليفزيون، والطريف أن هؤلاء يخوضون معارك ضد خصومهم وضد بعضهم، وفى كل معركة قد يجد الجمهور متعة فى الفرجة على شىء جديد غير مألوف فى مصر بين الإعلاميين أو السياسيين، وهى بكل المقاييس متعة زائفة وتضعف من مصداقية البرلمان والإعلام، لكن للأسف مسلسل البذاءات مستمر، ومسرحة الصراعات منتعشة، ومتعة الفرجة الزائفة خلقت جمهورها من أنصاف المتعلمين والأميين الذين يبحثون عن متعة جديدة فاسدة.
لا بد من وقفة جادة مع ظاهرة البذاءة فى مصر، لأن وجودها فى أمريكا أو فى أوروبا على يد بعض العنصريين وغلاة اليمين لا يمنحها شرعية أو قبول، وبالتالى من الضرورى حصارها من خلال توعية الجمهور، وسن تشريعات جديدة تنظم فوضى الإعلام والسياسة، والأهم اتفاق الإعلاميين على مواثيق شرف إعلامى يكون من بين نصوصها منع مقدمى البرامج الشتامين من العمل الإعلامى، وعدم التوسع فى نشر المعارك الوهمية التى يخوضها نجوم البذاءة فى مصر، وتنظيم حملات إعلامية تهدف إلى فضح الدوافع الحقيقية لظاهرة البذاءة ونجومها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة