كيف يسيطر «الواغش» على الرؤوس؟
تحدثنا عن نظرية القرد والإعلام وكيف يمكن للإلحاح والتكرار أن يصنع من الفارغين والتفاهة أوهاما تفرض نفسها على الجمهور والرأى العام، لدرجة أن مجلس النواب بعد شهرين من اكتماله عاجز عن إنجاز اللائحة، وأخطر ما يفرض من قضاياه هو مطالب برفع يوميات وبدلات الجلسات ومنح جوازات سفر دبلوماسية لزوجات وأزواج النائبات والنواب، ناهيك عن أزمة قسم هذا النائب، وانقماص ذاك العضو.
كل «عضو» يبحث عن أفضل طريقة للفت الأنظار وسرقة الكاميرا لتقديم عرض فارغ، مثل اختراع أزمة حول القسم، أو قمصة من تأخير منحه الكلمة، وأن تكون أهم إنجازات نائب هى الاشتباك فى خمسين معركة، والتلاسن والتشاتم والبحث عن أفضل طريق للمشاجرات. نجد أننا أمام نائبين فقط أو ثلاثة أو عشرة ويختفى باقى الأعضاء، وتختفى القضايا خلف تصريحات عنترية ورغبات مهلبية، لمن يقوم بدور الحمار، أو يمثل حالة العبيط، والعاقل المجنون، والمطبعاتى، والتافه والسطحى.
سيقول البعض إن الإعلام هو من يشغل نفسه بالقرد والقرداتى، ويبالغ فى رد الفعل، وهذا واقع، وهناك قرداتية لا يختلفون عن الأعضاء المقردنين. وانتقلت حالة التلاسن والتشاتم إلى الكثير من القنوات والإعلاميين الذين يتصورون أن التأييد يحتاج منهم لأن يكونوا رداحين يهبشون كل من يختلف معهم ومع آرائهم. الشتيمة فرضت نفسها على مواقع التواصل والقنوات، وبعض العقلاء السابقين أصابتهم أمراض القرود الأعضاء، وأصبحوا لا يخجلون من استعمال الألفاظ والحركات البذيئة، وحتى من أرادوا انتقاد الواغش صاروا واغشا. وانتقل فيروس الاستعباط إلى مواقع وفضائيات أصبحت مندبة ومسخرة تخلو من الفكاهة وتزدحم بالسخرية الفارغة والغليظة. ولم يعد من السهل التفرقة بين مؤيد منافق ومعارض مزايد كل هدفه جمع اللايكات، أو إبداء رأى جاهز خوفا من حرج الزعامة أمام مريديه.
ما يجرى فى جزء منه انعكاس لواقع يمكن رؤيته بالعين المجردة، حيث تسيطر عقلية القطيع والاستعراض والكسل ويسود الضجيج، فى سيرك كل عضو يقدم فقرته بحثا عن إعجاب، وحتى السيرك له هدف الترفيه والتسلية. بينما سيرك السياسة خليط من الاستهبال والمزايدة، كل برنامج يعانى نقص المشاهدين يحضر ضيفين يطلقهما بمواصفات قرداتية على بعضهما يتشابكون ويتشاتمون ويتضاربون وينطون فى كروش بعضهم، والبديل العفاريت والجن المصور واللعب فى الدماغ، خلطة الاستهبال الجاهزة.
ومثل «الإفلات من العقاب» هناك الإفلات بالاستعباط، أفراد من صناع الزيطة الفارغة يحتلون المشهد ويفرضون قضاياهم على الناس، يسحبون الأضواء والكاميرات واللايكات. ولم يعد الاستعباط مقصورا على هؤلاء، بل صار جاذبا لكثيرين من أعضاء التفاهة والعبط وامتداد المعارك الفشنك وأكل الميتة والدم، بحثا عن تصفيق أو كاميرا أو لايك. ويجدون زبائنهم دائما.