يومًا بعد يوم يتجدد السؤال: من يكتب تاريخ مصر؟ من يوثق الأحداث المهمة من عمر الوطن؟ من يرد على المزاعم الكاذبة التى لا تنتهى من إسرائيل عن حرب الاستنزاف وأكتوبر 73؟ من يقدم لنا قصص بطولة صنعها رجال أكتوبر؟ الإجابة بكل حزن: لا يوجد.. لا التليفزيون الرسمى يحمل على عاتقة إنتاج أفلام وثائقية عن نصر أكتوبر أو المعارك العسكرية، ولا القنوات الخاصة تفكر فى الأمر بالأساس، وأتحداك إن كان هناك فيلم وثائقى واحد فى السنوات الثلاث الماضية، حتى مؤرخونا تراجع إنتاجهم عن أكتوبر وزر بنفسك أى مكتبة بوسط القاهرة واكتشف.
أجريت استطلاع رأى بين عدد قليل من أصدقائى فى مراحل عمرية مختلفة حول تعلقهم بيوم 6 أكتوبر، وكانت الإجابة: 8 من أصدقائى يرتبطون بأكتوبر، لأنه إجازة رسمية فى المصالح الحكومية والمدارس والجامعات، و3 يرتبطون به لذكرى العبور العظيم، و2 يرتبطان به لما يعرض فى التليفزيونات من أفلام تاريخية مثل «الطريق إلى إيلات» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى» والحلقة الأخيرة من «رأفت الهجان».
الإجابات تحمل ناقوس الخطر، وكيف أن نصر أكتوبر العظيم تحول من ذكرى ملحمة وطنية إلى إجازة يوم فى المصالح الحكومية، وهو الأمر الذى يحتاج إلى تحليل ودراسة حول الأسباب التى أدت بالمصريين إلى تلك النتيجة المؤلمة.
أعتقد أن الأصل فى قلة اهتمام المصريين بأكتوبر كملحمة عظيمة، يرتبط بتراجع اهتمامنا كمصريين بكتابة التاريخ فى تلك المرحلة، وعدم توثيق الوقائع على نحو يحفظ للأجيال المتعاقبة التعلق بها بقدر يماثل الأجيال التى صنعتها، ورغم أننا خرجنا من أكتوبر منتصرين، فإن القاعدة العلمية «التاريخ يكتبه المنتصر» لم تنطبق علينا، فلم ننتج فيلما وثائقيا كبيرا ولم نصدر موسوعة كبيرة لشهادات موثقة عن أبطال المعركة.
إسقاط قاعدة «التاريخ يكتبه المنتصر» على أرض الواقع المصرى، يضعك أمام حقائق صادمة بأن التاريخ المصرى فى تلك المرحلة الخطيرة بات معلقا بأهواء عدد من الشخصيات بيدها النشر وبيدها المنع وبيدها الإذاعة أو الحذف، ولنا فى شهادة اللواء سمير فرج، رئيس الشؤون المعنوية للقوات المسلحة الأسبق، أن المشير أبو غزالة قاله له وقت تسجيل فيلم وثائقى عن أكتوبر: «لو سجلت معاك صفوت الشريف مش هيذيع»، وهو أمر يعكس كيف أن الصراع الشخصى بين أبو غزالة والشريف انتهى بالسلب على تاريخ مصر، وأن شهادة قائد عظيم مثل أبوغزالة لم توثق. أزمة التاريخ الثانية عن نصر أكتوبر أن سنوات حكم مبارك انتهت بتصدير مبارك كرجل الحرب الأول وقائد الضربة الجوية وصاحب الخطة الذهبية، فى حين أن قادة عسكريين وقت تصدير تلك الفكرة، كانوا على قيد الحياة، وساهموا فى حرب أكتوبر بقدر أكبر بمراحل من مبارك نفسه، وأبرزهم الفريق سعدالدين الشاذلى الذى حذفت صوره من بانوراما أكتوبر.
تلك الحالة وغيرها خلقت عند المصريين أقرب ما يقال عليه «الملل من ذكرى أكتوبر»، ومهدت الطريق أمام تل أبيب لسرقة التاريخ وتزييفه لدرجة أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى أفيخاى أدرعى ادعى كذبا فى وقت سابق على صفحته الرسمية، أن حرب أكتوبر كانت نصرا عسكريا مجيدا لهم، نجحوا فيه من خلال تكتيكات عسكرية لتطويق الجيش المصرى وإجباره على التوقيع على وقف إطلاق النار.
مع انتشار الحالة العامة لتجاهل أكتوبر، أسس 11 من خيرة شباب مصر صفحة على موقع التواصل الاجتماعى، أطلقوا عليها اسم «المؤرخين 73»، وحملوا على عاتقهم إعادة إحياء قصص البطولات المصرية العسكرية فى الاستنزاف وأكتوبر، عبر التفتيش فى محافظات الجمهورية عن الأبطال المنسيين ممن قدموا أرواحهم فداء للوطن، والحصول منهم على شهادات حية عن المعارك العسكرية التى شاركوا فيها مع العدو.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
نشات رشدي منصور
كلمة خصوص كتابة التاريخ .. من وحي مقال الاستاذ محمود سعد الدين