تحدث السيد رئيس الجمهورية هذا الأسبوع - فى مقابلة غير معتادة وفى وقت حساس جدا قبل عرض برنامج الحكومة على مجلس النواب الجديد - إلى الوزير المختص بالاستثمار، عن أسباب معوقات معدلات نمو الاستثمار فى مصر رغم تيسير الدولة ودعم سيادة الرئيس الكامل للاستثمار المباشر وغير المباشر المحلى والأجنبى.
وقد أكد سيادته أنه رغم كل التسهيلات التى تقدمها الدولة والحكومة يظل هناك الكثير من المعوقات البيروقراطية والفنية فى أجهزة الحكومة، مما انعكس بوضوح على تدنى عائدات الاستثمار فى عام 2014 -2015 رغم زيادة نسبة وعدد المشرعات الجديدة.
ورغم ما أشار إليه السيد وزير الاستثمار فى بيانه عن زيادة هذه بنحو 20 % عن العام المنصرم 2013 – 2014، ولكن دون دخولها مرحلة الإنتاج الفعلى المثمر والذى يصب فى دفع عجلة التنمية بشكل ملموس وفى زيادة الناتج القومى وخلق فرص عمل حقيقية جديدة تساعد على حل مشكلة البطالة المتفاقمة .
والأمر هنا يحتاج إلى شىء من التوضيح الفنى، حيث ترى بعض المدارس الاقتصادية المعاصرة أن تغير الأجور ليس له إلا أثر محدود فى تقدير قيمة السلع بالنسبة لتغير كمية العمل، وذلك لأن أرباح العملية الانتاجية ( والتى تعود على صاحب العمل ) لا تخضع كقاعدة عامة بضرورة مستمرة لتقلبات كثيرة. ولذلك فإن أثر هذا العامل (الأجر) لا يبلغ أثر عوامل أخرى فى تحديد "القيمة السلعية" ، حيث إن التغيرات العميقة فى العملية الإنتاجية لأى استثمار وتحدد المعدل الدائم للأرباح تعود إلى عوامل تتطلب سنوات طويلة، بينما نجد أن التغيرات فى الأجور وكمية العمل اللازمة لإنتاج السلع تحدث يوما بيوم. وهو معيار مضلل للاعتماد عليه فى تحديد ربح أى استثمار ، لأنه ببساطة يسقط جوانب فنية عديدة من شأنها قلب المعادلة فى صالح المستثمر أو ضده حسب الظروف الاقتصادية الكلية والجزئية، فمثلاً كل استثمار يحدث آلاته أو التكنولوجيا المستخدمة إلى جانب المنشآت وتوسعات المبانى، وكل زيادة فى المواد الخام، جميعها توفر العمل اليدوى ، وتمكننا من إنتاج السلع بسهولة ويسر وتخفض قيمتها نتيجة لذلك (أى ارتفاع الإنتاجية) ، وعليه يكون من الخطأ ، ونحن بصدد بيان العوامل التى تؤدى إلى تغير قيمة السلع أن نسقط، كما يفعل بعض كتاب الاقتصاد المعاصرين ، أثر التغير فى قيمة العمل ، ومن الخطأ أيضاً أن نعطى هذا العامل (الأجر) أهمية أكبر من وزنه النسبى الحقيقى فى مركب تكلفة القيمة الانتاجية للسلع، وهو ما يؤكد أن التغيرات الكبيرة فى القيمة النسبية للسلع تعود إلى عناصر مركبة كثيرة وليس العمل وحده .
ولذلك يجب أن نفرق بين فرضين أولهما؛ يتعلق بأثر المدة التى يستثمرها رأس المال فى حد ذاته فى الإنتاج ، مع استبعاد تغير الأجور ، وثانيهما؛ يتعلق بأثر تغير الأجور فى حالة اختلاف هذه المدة. ومعنى ذلك فيما يخص الفرض الأول ، أن طول المدة له أثر فى انخفاض نسبة رأس المال الثابت ، وإن قصرها له أثر فى ارتفاع نسبة رأس المال الثابت ( فى حالة ثبات الأجور). وهو ما يعنى أيضاً، أن القيمة تتناسب تناسباً عكسياً مع طول المدة التى يستمرها رأس المال الثابت فى الانتاج ، بينما تتناسب فيما يخص الفرض الثانى (اى فى حالة تغير الأجور) تناسباً طردياً مع نسبة رأس المال الثابت. ونخلص مما تقدم إلى أن اختلاف نسبة رأس المال الثابت إلى المتغير من انتاج سلعة إلى أخرى يعتبر عاملاً جوهريا فى تحديد القيمة النسبية لأى سلعة.
وهذا يعنى أن قاعدة "كمية العمل النسبية" كأساس لقيمة السلع ليست صواباً بمفردها. هذا بالإضافة إلى أن تلك النتيجة تفتح باب إدخال عوامل أخرى فى تحديد القيمة النسبية للسلع، وتنصرف إلى أن قيمة المبادلة النقدية للسلع لا تتوقف فقط على تغير الأجور أو كمية العمل اللازمة للإنتاج.
وأخيراً فإن اختلاف المدة التى يستمرها رأس المال الثابت فى الانتاج (أى اختلاف سرعة إعادة وتكوين وتدوى رأس المال نتيجة لسرعة استهلاكه) يعتبر مثل اختلاف نسبة رأس المال الثابت عاملاً قائماً بذاته فى تحديد قيمة السلع ، ويؤدى بالإضافة إلى ذلك، إلى إدخال عوامل أخرى يجب أن تأخذ فى اعتبار أى مستثمر من القطاع الخاص أو حتى الدولة ( فى حالات الانتاج العام ) لتتحقق الكفاءة الانتاجية فى الاستثمار بمفهومها المعاصر.
وهذا ما تفعلة كل دول العالم التى سبقتنا فى تكوين استثمارات ضخمة مثل سنغافورة المصنف الأول على العالم لعام 2014-2015 فى جذب الاستثمار. وعليه يجب ألا تغفل مصر أى عنصر من عناصر الإنتاج المكملة لأى صناعة حديثة، فيتضح لهم التكلفة الحقيقية للسلع والربح الحقيقى من ناتج الاستثمار، هذا بالاضافة إلى إزالة كافة العقبات التى تقف فى طريق الاستثمار سواء كانت إدارية أو قانونية أو نقدية أو مالية أو حتى الإجراءات المتداخلة بين أجهزة الدولة، فنحن لسنا فى حاجة الى اختراع العجلة من جديد فلنطبق أحد نماذج الأسواق الناشئة والتى تتشابه ظروفها الاقتصادية والسياسية معنا وهم كثر، إن لم نكن نحن أفضل منهم حالا الآن كالمغرب والأردن وتونس، وعليه تصبح مصر دولة جاذبة للاستثمار وتصنف من الـ 50 الأوائل فى العالم لا كما هو الحال الآن من الـ 50 الأواخر فى استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة