لا أفهمه ولا أستوعبه
فى اليوم السابع لانعقاد “معرض القاهرة الدولى للكتاب 47” شهدت قاعات المحكمة الحكم بتأييد حبس الباحث “إسلام بحيرى”، سنة بتهمة ازدراء الأديان، وقد سبق وحكمت إحدى المحاكم أيضا، وقبل افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب بيوم واحد، على الكاتبة فاطمة ناعوت بالسجن ثلاث سنوات بنفس التهمة، وهو الأمر الذى لا أفهمه ولا أستوعبه، فكيف تحارب مصر الفكر فى أيام “عيد الفكر”، وكيف تحاصر “الكتاب” فى أسعد أيام “الكتاب”؟
رغم اختلافى التام مع الكاتبين ( إسلام بحيرى وفاطمة ناعوت) فى بعض أفكارهما، وطريقة صياغتهما البعض الآخر من أفكارهما، لكنى فى الحقيقة، أرى أن الحكم بحبس الكاتبين استسلام لبعض القوانين التى تحارب الفكر، وتحجر على الرأى، أمرا غاية فى الخطورة، فحرية الرأى حق يكفله الدستور والقانون، وتغليب مادة واحدة فى قانون العقوبات على جميع القوانين التى تنحاز لحرية الفكر وجميع المواد الدستورية، التى ترعى حرية التعبير وتذود عنها، أمر غريب ومستهجن، ويؤدى بها إلى التهلكة لا محالة، ويحمل – من ضمن ما يحمله - علامات استفهام كبيرة حول توجهات الدولة، ومدى التطرف الذى يقودها، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
قد يظن البعض أن الكتاب والصحفيين حينما يدافعون عن الكتاب والصحفيين ضد مثل هذه القوانين الجائرة، إنما يفعلون هذا لمصلحة “شخصية” أو “فئوية” وهو ظن غريب وقول عجيب، يلجأ إليه البعض لعدم إدراك قيمة الحرية الفكرية بالشكل الصحيح، فحرية عقل المبدع لا تخص المبدعين فحسب، وإنما تخص المجتمع ككل، ففى كل بلاد العالم – المحترمة - يقود الفكر المتحرر المجتمعات، ويفتح آفاقا للتطور والتجديد، وبدون حرية لا فكر، وبدون إبداع لا تطوير، ومن يحكم على حرية الفكر بالحجر، وعلى الفكر بالنفى، إنما يحكم على المجتمع كله بالتيبس والتجمد والموت.
هذا ليس امتحانا للكتاب ولا للصحفيين، وليس أمرا طارئا نجتمع حوله ثم ننقض، فهذا امتحان لمؤسسات الدولة التى تسمح للتطرف بحكمها وتسمح للمتطرفين بأن يتسيدوها، وأمر جلل لا بد أن نقتلعه من الجذور، وفى الحقيقة فإنى لا أعتقد أن مصر ستشهد انفراجة حقيقية، سواء على المستوى الصناعى أو الاقتصادى، إلا إذا شهدت تطورا حاسما فى قضية حرية الفكر والتعبير، فالحرية هى التى تدعم العقلية النقدية التى لا تستسلم للأمر الواقع، وتبحث دوما عن الكمال والجمال، والحرية هى التى ترعى الخيال، وتبنى له مسارات حقيقية للتنفيذ، والحرية هى التى تقود المجتمعات نحو الحياة لا الموت، وتقود الأفراد نحو البحث عن السعادة والرضا، وتقود البلاد نحو التقدم والنمو ، هذا إن أرادت أن تتقدم أو تنمو.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة