دعوة الرئيس السيسى للحوار مع شباب «الألتراس» يمكن فهمها من منطلق حرص الرئيس على التواصل مع الشباب، والاستماع إلى مطالبهم، وفك حالة الاحتقان والغضب التى تسيطر عليهم من الشعور -وهما أو صدقا- أن هناك ظلما وقع عليهم، وأن قضاياهم فى المطالبة بالقصاص لشهداء مذبحة بورسعيد لم يتحقق فيها جانب العدالة، رغم إجراء المحاكمة وإعادتها مرة أخرى، ولكن هؤلاء غير راضين عن الأحكام.
ويمكن فهم مبادرة الرئيس بالدعوة للحوار مع الألتراس على أنها محاولة «لم الشمل» ودمج الشباب فى مبادرة «عام الشباب» التى أطلقها الرئيس بداية العام الجارى. والبعض يرى أن دعوة الرئيس لشباب الألتراس دعوة إيجابية، وتساهم فى حل أزمة تعيشها مصر منذ فبراير 2011، وبدء توظيف الألتراس فى العمل السياسى، واستغلال هؤلاء الشباب لأغراض وأهداف سياسية، وهو ما نتج عنه تغول الألتراس وتجرؤهم فى الخروج فى مظاهرات سياسية بعيدا عن كرة القدم، ومشاركتهم فى مناسبات سياسية منذ ثورة يناير وما بعدها. ووجدهم الإخوان ضالة منشودة كانوا يبحثون عنها، وقامت هذه الجماعات بحرق اتحاد الكرة، والاستيلاء على كل ما فيه، والاعتداء على نادى الشرطة، ومع ذلك توجيه الإهانات إلى رموز الدولة ومؤسساتها، وبخاصة الشرطة والجيش، ومع ذلك لم يتصدى لهم أحد، أو يقدم هؤلاء للمحاكمة على الجرائم التى ارتكبوها، إلا عندما حاول بعض من الألتراس الزملكاوى الاعتداء على رئيس النادى المستشار مرتضى منصور، الذى كان من الشجاعة فى التصدى لهذه الظاهرة، وخاض معركة قضائية انتهت بصدور حكم قضائى باعتبار «روابط الألتراس جماعات إرهابية».
لا نعارض مبادرة الرئيس السيسى، ونتمنى أن تجد مخرجا للأزمة بين الشباب والنظام السياسى، ولكن لدينا تساؤلات شديدة الأهمية حولها، أولها أن هناك حكما قضائيا أصبح باتا فى قضية «مذبحة بورسعيد»، وصدرت الأحكام ضد المتهمين بعد جولتين من المحاكمة طوال 4 سنوات، وبعد لجان تقصى حقائق من الإخوان وغيرهم. بالتالى تصبح دعوة الرئيس هنا للألتراس بالمشاركة فى التحقيقات حول مذبحة بورسعيد لا مجال لها، وتعتبر تدخلا فى شأن وحكم قضائى صدر، ولا يمكن إعادة المحاكمة إلا إذا تكشفت حقائق جديدة، وظهرت معلومات جديدة تغير من سير القضية، وتشير إلى متهمين جدد، وتقدم دلائل جديدة. وفى حالة صدور أحكام إدانة فى القضية، قد يجوز لدفاع المتهمين فى حالة ظهور أدلة جديدة قد تؤدى للبراءة أو تخفيف الأحكام بالتقدم بطلب التماس للنائب العام لإعادة فتح القضية مرة أخرى بعد دراسة وفحص دقيق للأدلة. وبالتالى هنا نطرح السؤال، هل يحق للرئيس إعادة فتح القضية؟.. أظنه قانونيا لا يجوز.
المسألة الأخرى فى الدعوة للحوار هى، بأى صفة سيتم الحوار مع جماعات الألتراس، وهل هى جماعات رسمية مشهرة، وإذا كان هناك حكم قضائى بحل هذه الروابط واعتبارها «جماعات إرهابية»، فكيف سيتم الحوار معهم وبأى صفة. وهل هناك دول أخرى حذت نفس الحذو، أم كانت هناك إجراءات قانونية صارمة لفرض هيبة الدولة، مثل ما حدث فى إنجلترا وبعض دول أوروبا؟
ثم أخيرا المغرب التى قررت حل جميع روابط الألتراس، بعد تزايد ظاهرة الشغب بالملاعب المغربية فى الفترة الأخيرة، والتى كان أبرزها أعمال العنف التى شهدتها مباراة «ديربى الدار البيضاء»، التى جمعت بين فريقى الرجاء والوداد، ضمن منافسات الدورى المغربى فى ديسمبر الماضى. واجتمع محمد حصاد وزير الداخلية، ومصطفى الرميد وزير العدل، وعبداللطيف الحموشى والى الأمن، بالإضافة إلى فوزى لقجع رئيس الاتحاد المغربى لكرة القدم، وسعيد الناصيرى رئيس رابطة المحترفين، واتخذوا قرارا صارما بحل روابط الألتراس لجميع الأندية المغربية. التساؤلات حول دعوة الرئيس السيسى للحوار مع الألتراس تحتاج لإجابات شافية قبل الدخول فى أزمة جديدة.