أعان الله مصر على ما ابتليت به من شرور، أعانها على من أصيبوا بفيروس التعصب، صاروا مغرمين بتقسيم الشعب إلى تكتلات، والتكتلات إلى كنتونات، والكنتونات إلى فئات، والفئات إلى شُعَب، والشعب إلى جماعات، والجماعات إلى شرائح، والشرائح إلى فرق، والفرق إلى أفراد، أعاننا على إعلام متعصب، وأقلام مسمومة، وأجفان لا يخرج منها إلا الظلام، أعاننا على مرتزقة الدم، وسماسرة الأوطان، الذين كلما رأوا النور أطفأوه، وكلما سمعوا كلمة الحق أغمضوها، وكلما أطفأ المطر نارا أوقدوها بغلهم وغبائهم وتعصبهم وتجبرهم وادعاءاتهم الكاذبة، التى لا تبتغى إلا وجه الشيطان.
يخيل لى أحيانا أن قطاعا لا يستهان به من إعلاميينا ينسون واجبهم الأول فى عرض الرأى والرأى الآخر، والحفاظ على المبادئ الوطنية والأخلاقية والمهنية الراسخة، يتقمصون دور «مارى منيب»، حينما رأت زوجين يتشاجران فى أحد أفلامها، فبدلا من أن تتدخل للصلح بينهما أو حتى تتركهما لحالهما، ظلت تعزم على طريقة الدجالين وتقول: «طوبة على طوبة خلى الخناقة منصوبة».
هم يعيشون على التناحر، يدركون أنه إذا ما صفت الدنيا وانزاحت عنا غمامة الصراعات، وتخلصنا من وباء المزايدات، فإنهم سوف ينكشفون ويكتشف العالم مدى سطحيتهم وجهلهم، وعدم أهليتهم للجلوس على المقاعد التى يتبوؤنها، ومن لا يصدقنى فليرى هذا السعار الذى انتاب البعض، حينما سمعوا عن المبادرة التى طرحها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، إزاء قضية الأولتراس، فقد ظهر الرئيس فى مداخلة تليفونية على إحدى القنوات الفضائية ليمد يد التسامح والتراحم والمحبة والوئام، مدركا أن رئيس مصر يجب أن يكون رئيسا لكل المصريين، وأن الرئيس الحقيقى هو الذى يقول مثلما قال هو: «الشباب ده جزء مننا وإحنا مش عايزين حد يفرق ما بينا».
ظهر الرئيس «رئيسا» لمصر كلها، ولم يظهر كما أرادوه، سيفا فى يدهم وسوطا على ظهور خصومهم، فانتابهم الفزع وأكلتهم الغيرة، وبدلا من أن يراجعوا مواقفهم المؤذية، وأن يتراجعوا عن حروبهم غير المبررة، تمادوا فى غيهم وطغيانهم، فقد كانوا يتعاملون مع الدولة باعتبارها دولتهم فحسب، وكانوا من يريدون من الرئيس أن يكون رئيسهم فحسب، وأن يخوض معاركهم بالنيابة عنهم، وأن يتخلص من خصومهم بالسجن أو بالقتل أو بكلاهما معا، لكنهم فوجئوا بما لا يشتهون فأصابهم مس من جنون.
لا يسعنى هنا إلا أن أتوجه بالشكر والتحية إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، على ما أبداه من تسامح وقوة فى ذات الوقت تجاه هذه القضية، وأؤكد أن القوى هو الذى يمد يد الود وهو قادر على غيره، فمبادرة الرئيس من وجهة نظرى تنبع من شعور وطنى بأهمية التوحد فى مقابل الشرور التى تحيط بنا، وليست من ضعف دب فى جسد الدولة كما يصور البعض، فالضعيف متهور أهوج يحسب كل صيحة عليه عدوا، بينما القوى هو من يفعل ما فعله الرئيس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة