ما زلنا مع أحداث معرض الكتاب نواصل عملية الكشف لأنماطنا الثقافية الجيدة أو غيرها، واليوم نتوقف عند «ثقافة الحوار» فعلى الرغم من الصدامات التى حدثت بين الجمهور والمنصة فى أكثر من حالة، كان آخرها عندما طلبت الروائية سلوى بكر غاضبة من الجمهور أن يستمع إليها عندما تتحدث، وقبل ذلك فى ندوة عن كتاب «قناة السويس» خاطب أحد الحاضرين المنصة قائلا لهم، إن ما يقولونه خارج عن نص الكتاب، لكن ليست كل الأمور سلبية فى العلاقة بين الجمهور والجالسين على المنصة فى المعرض، ففى ندوة «خلق آدم بين النص المقدس والنظريات الافتراضية» والتى شارك فيها الشيخ سالم عبدالجليل حدث نوع آخر من الحوار يجب التنبه إليه جيدا لأنه من الممكن البدء منه والبناء عليه.
فى الندوة وقف أحد الحاضرين وأعلن أنه ينكر النصوص الدينية حول نشأة الإنسان، وأنه مؤمن بنظرية دارون فى النشوء والارتقاء وأنه يعتقد أن الإنسان أصله قرد ولم يخلق هكذا من المرة الأولى، وهنا كان يمكن للندوة أن تفسد وأن ينتهى الأمر بمشادة كبيرة تكون لها نهايات مأساوية من اتهامات بالتكفير والجهل، وأن ينقسم الجمهور بين الفريقين فريق سيقول عن نفسه إنه فريق الله ويتهم الآخرين بأنهم فريق الشيطان، لكن الأمر مر بسلام بسبب قيمة الحوار، حيث علق سالم عبدالجليل بأن نظرية دارون أصبحت قديمة وخرجت بعدها نظريات علمية جديدة فى تفسير عملية الخلق، كما أن مثل هذه الأمور مقبولة من مجتمعات لم تأتها نصوص دينية لتفسير هذا الأمر فمن حقهم أن يفكروا فى خلق الإنسان والأرض بطرق تعتمد على العقل فقط، لكننا فى مجتمعنا المسلم فإن القرآن قد فسر ذلك ووضحه، واستمرت الندوة، ليس مهما أيهما أحق، لكن المهم هو أنهما تحاورا بما يليق بالإنسان وبما يليق بمعرض الكتاب.
نعم الحوار هو «الفريضة الغائبة» فى حياتنا، نظلمه ولا نعترف به ولا بدوره فى الارتقاء بالفكر والمحافظة على إنسانيتنا، ودائما ندخله فى دائرة واحدة من الصدام، والذى ينتهى بإلغاء الآخر ومصادرة أقواله أو حتى مصادرته هو، كما حدث فى 1992 بعد المناظرة الشهيرة لفرج فودة، مع كل من الشيخ محمد الغزالى، والدكتور محمد عمارة والتى كان يظنها «فودة» حوارا لكن المتطرفين اعتبروها نوعا من حيثيات الحكم بالإعدام الذى نفذوه بالتمام والكمال بعد 6 أشهر من المناظرة، وذلك لأن مفهومهم عن «الحوار» مختل وغير واضح.
ربما كانت ندوة «آدم» بداية طيبة للحوار، خاصة أن الرجل الذى تحاور مع سالم عبدالجليل نقد تنظيم الندوة، ورأى أن المفروض وجود متخصص فى النظريات العلمية بجانب «عبدالجليل» وأن يصبح الأمر «مناظرة» ويوم يحدث ذلك، ونكون قادرين على تقبله سيكون معناه أن المجتمع انتقل خطوة حقيقية للأمام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة