جبهة النصرة فشلت فى الانفتاح السياسى
فى تناول الأزمة السورية منذ بدايتها ركزت التغطيات الإعلامية على «قوة النيران» و«التفاعلات الإقليمية والدولية»، و«اللاجئين»، وجرى إهمال تناول التفاعلات الداخلية، التى تضعنا أمام حقائق ما يحدث فى قرى ومدن سوريا، فلم نعرف بما فيه الكفاية كيف تمر الحياة اليومية فى المناطق التى تسيطر عليها «داعش» و«النصرة» وغيرهما من الجماعات المسلحة الإرهابية، بما يشمل ذلك من أمور مثل المسكن والملبس والزواج والبيع والشراء، وما إذا كان المزارعون مثلا يذهبون إلى حقولهم، والعمال إلى مصانعهم- إذا كانت هناك مصانع- وهل طريقة إدارة أمور مثل هذه الأشياء فى مناطق تسيطر عليها «داعش» تختلف عن مناطق تسيطر عليها «النصرة»، وجماعات إرهابية أخرى؟
أطرح هذا الأمر وأمامى تقرير «متفرد» فى صحيفة الأهرام أمس الأول الخميس، كتبته من لندن الزميلة «منال لطفى» بعنوان «انهيار تجربة المجالس المحلية للمعارضة السورية يقلب حسابات الغرب»، وأهمية هذا التقرير أنه يقدم جانبا من التفاعلات التى أتساءل عنها، وتقود بدورها إلى حقيقة مهمة وحاسمة فى هذه الأزمة، وهى أنه مهما كانت قوة السلاح للإرهابيين فإن الفشل هو مصيرهم، لأسباب تتعلق ببنية الإرهاب الفكرية والتنظيمية، وبالطبع فإن هذه البنية تقود إلى قمة التخلف فى إدارة الأمور الحياتية اليومية، أضف إلى هذا فإنه من السهل دخول هذه القوى فى تصادمات واشتباكات نتيجة خلافات عقائدية يتأجل ظهورها لحين، ثم تظهر بعد ذلك.
تقرير الزميلة «منال لطفى» يضعنا مثلا على الاشتباكات العنيفة فى الرقة بين مجموعات من أبناء المحافظة رفعوا علم الثورة السورية، وبين عناصر داعش احتجاجا على إعدام التنظيم الإرهابى لشاب فى السادسة عشرة من عمره بالسيف، وتزامن ذلك مع انشقاق المئات من المقاتلين عن داعش بعدما قتلوا القيادى أبوعلى التونسى ومرافقيه خلال اشتباكات داخلية جرت بين عناصر التنظيم داخل أحياء مدينة الرقة، وفى هذه المعلومة التى يأتى بها التقرير وبالرغم من عدم سريتها، إلا أننا أمام حالة تعبر عما ما أذكره حول البنية الفكرية والتنظيمية لقوى الإرهاب والتى تقود حتما إلى الانشقاقات ولعلعلة السلاح كوسيلة وحدية لتصفية الخلافات، وفى معلومة أخرى بالتقرير تشير الزميلة إلى انهيار تجربة الإدارة المحلية للإسلاميين فى «إدلب» بعد اقتتال داخلى أيضا إثر الضغط العسكرى على فصائل المعارضة عبر قطع خطوط الإمداد والتمويل، وبسبب الفساد والتنافس الداخلى واختلاف الأولويات وفرض الفصائل المعارضة لرؤية متطرفة للإسلام نفرت الكثير من السوريين تدريجيا.
وفى «إدلب» أيضا وحسب التقرير، فإن «جبهة النصرة» والتى سعت ولو شكليا لفك الارتباط مع تنظيم القاعدة تنفيذا لأوامر قطرية منذ نحو العام، وتبنت خطابا سياسيا أكثر اعتدالا، عادت وتقوقعت داخل التيارات المتشددة بعد فشل انفتاحها السياسى على باقى الفصائل السورية ومن بينها الجيش السورى الحر، وتؤكد هذه المعلومة حقيقة الخداع الذى حاولت الأطراف الإقليمية المتورطة فى الأزمة السورية تمريره باعتدال «النصرة»، ومحاولة خلق تعبئة إعلامية لتثبيت ذلك.
بحسابات ما جاء فى التقرير، وقراءته بعمق بما يؤدى إلى تنشيط الخيال لتوقع ما سوف يأتى فى المدى المنظور، فنحن أمام احتمالات نشوب معارك تصفيات بين القوى الإرهابية، وهذا الأمر من السهل تفجيره استنادا إلى التركيبات الداخلية لهذه القوى، واستنادا إلى التفسيرات العقائدية التى من السهل الاختلاف حولها بين تنظيم وآخر، وفى اعتقادى أن هذا الجانب تحديدا سيتم اللعب عليه كثيرا عبر الأجهزة المخابراتية التى تريد حسم الأزمة بطريقة جديدة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة