من كثرة شهدائنا من الجيش والشرطة فى العمليات الإرهابية الغادرة، يقل اهتمامنا بحكايات الشهداء وقصص البطولة، ونقف عند الرقم الإجمالى للضحايا والمصابين، وليس عند مواقف الشجاعة للدفاع عن كل شبر فى البلاد، من بين أبرز الشهداء، محمد حربى، وباسم فاروق، والشحات فتحى.. كل بطل له قصة مثيرة تدفعك للبكاء حزنا عليهم وللفخر بهم فى الوقت ذاته، محمد حربى.. هو بدرجة مساعد شرطة، شهرته داخل قطاعات الأمن بسيناء تعدت قيادات كبيرة، لدرجة أن وزير الدفاع صدقى صبحى كرمه فى أحد اللقاءات الجماعية بالضباط، ونادى عليه بالاسم، وقال أمام الجميع: «أنتم عارفين.. محمد حربى دا بيعمل حاجة مشرفة قوى وعمل بطولى.. محمد متخصص فى تفكيك العبوات الناسفة.. محمد بيحمى رجالتنا من أى تفجير.. محمد حربى عندى كوزير دفاع بطل الأبطال»، بعد التكريم بأسابيع قليلة.. استشهد محمد وهو يخدم بلده فى سيناء..الله يرحمه.
باسم فاروق.. ضابط فى فرقة مكافحة الإرهاب بسيناء.. لم يتخط الثلاثين عاما، عقد قرانه ويستعد للزواج.. ودع والدته بعد أن اتفقا على أن تنهى هى اللمسات الأخيرة فى شقة الزواج.. باسم فى لقائه الأخير بوالدته، كان يقول لها إنه هيرجع شهيد هذه المرة، تداعبه والدته: «لا هترجع عريس يا باسم». تحكى الأم أنها وهى تجهز شقة ابنها، فوجئت بألم شديد فى البطن، انتابها قلق وصداع مستمر، ولا تعرف مصدره، حتى حضر إليها أحد أصدقاء ابنها، وعرفت هى قبل أن يتحدث أن نجلها استشهد فى ذمة الله.
الشحات فتحى شتا.. جندى بالكتيبة 101 بسيناء التى تعرضت لعملية إرهابية بشعة.. ولكن الأبشع كان من الممكن أن يحدث لولا عناية الله وتوفيقه لعمل بطولى نفذه الشحات.. التكفيريون عندما هاجموا الكتيبة واعتدوا عليها، كان أحدهم يرتدى زى الجيش المصرى المموه، ودخل على مقدمة الكتيبة بدعوى أنه مصاب من الهجوم الإرهابى فى محاولة لجمع عدد أكبر من أفراد الكتيبة حوله للاطمئنان عليه، ومن ثم تفجير حزام ناسف كان يرتديه فيهم، وبالفعل كاد مخططه أن ينجح لولا أن الجندى الشحات اكتشف أن صاحب زى الجيش فى الأساس عنصر إرهابى ويرتدى حزاما ناسفا، فهجم عليه واحتضنه.. ودفعه لخارج الكتيبة، فانفجرت العبوة فيهما فقط.. الشحات احتضن الموت ليحمى أصدقاءه وبلده.
أحمد حجازى نموذج لشهيد كتب تغريداته الأخيرة عن الشهادة، وهو لا يعلم أنه بعد أيام سيكون بين يدى الله، كتب «أصل شهيدنا طير بيغرد، يغنى بدمه الكون ويردد، حقه راجع اسمع منى، دا هو قالى وهو بيستشهد»، واللافت أن تغريدات حجازى لأصدقائه كتبها له كل أصدقاؤه بعد استشهاده، حجازى نموذج للصديق الوفى الذى لا ينسى أصدقاءه، ولا ذكرياتهم معهم، وعندما استشهد صديقه رامى محمد الجنجيهى فى سيناء كتب متأثرا: «كنت لسه معايا من 20 يوم وبتقولى أنت بتطلع الخط ومبتعديش عليا ابقى تعالى اقعد معايا شوية يا حجازى عشان واحشنى ووحشانى قعدتك.. مكنتش أعرف إن دى آخر أيامك يا صحبى والله انت حرقت قلبى.. بس أنت أكيد ف مكان أحسن منى دلوقتى يا رامى».
تعلق قلب حجازى بلقاء ربه، تجسد من خلال تعلقه بأصدقائه الشهداء وزيارة أسرهم من وقت لآخر ونشر صورهم على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى، وآخرها صورتا الشهيدين رامى الجنجيهى وأحمد حيدر، ووقتها كتب تعليقا بديعا قال فيه: «وشك متزوق بالضى وأمك صبرها إنك حى وحياتك فى وراك إخواتك ارتاح إنت وحقك جاى».
آخر ما كتبه الشهيد فى أيامه الأخيرة على صفحته الرسمية عبارة بديعة لتوصيف وتشريح طبائع البشر، قال فيها: «فى ناس بتلبس جزم، وجزم بتلبس ناس، وفى ناس تلمع جزم أشرف كتير من ناس، وناس بتلحس جزم علشان تراضى ناس، وفى ناس بترمى الجزم على وش أتخن ناس، وفى ناس تخاف ربنا وفى ناس تخاف من ناس».
النماذج الأربعة، دليل عملى على أصالة الشخصية المصرية وروحها القتالية، للدفاع عن بلدها حتى لو كان الثمن أنهم يرسمون لأنفسهم مشهد النهاية. لكل شهيد، نأسف على التقصير فى حقك بعدم سرد سيرتك أو بطولتك.. فى الجنة بإذن الله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة