تؤرقنا فى مصر ظاهرة تراجع المشاركة فى الانتخابات، سواء برلمانية أو محلية أو نقابية أو حتى انتخابات النوادى، كما نتحدث كثيرا عن المخاوف من تزوير الانتخابات، وننفق أموالا كثيرة فى تأمين الانتخابات، ونربك القضاء بتكليفه بالإشراف على الانتخابات.. كل هذه المشاكل حلها ببساطة هو التصويت عبر الإنترنت.
نحن هنا لن نخترع العجلة من جديد، فهناك تجارب دولية كثيرة ناجحة فى هذا المجال، بعضها فى آسيا وأمريكا اللاتينية، وهذه التجارب تستفيد من الممارسات الجديدة لقياس الرأى العام، والانتخابات عبر شبكة الإنترنت،. ففى التسعينيات، ومع التوسع الكبير فى استخدام الكمبيوتر والإنترنت، بدأ التفكير فى إجراء استطلاعات فورية إلكترونية on – line polling، وبدأت بعض الشركات فى استخدام هذا النوع من الاستطلاعات، وأسس أفراد وشركات مواقع على شبكة الإنترنت متخصصة فى إجراء وتحليل هذا النوع من الاستطلاعات وتوزيع نتائجه.
لكن استخدام الاستطلاعات والانتخابات الفورية تطرح كثيرا من القضايا والإشكاليات الخاصة بعدم توافر أجهزة الكمبيوتر وخدمة الإنترنت لكل المواطنين، وصعوبة المعاينة الفورية الإلكترونية، ووجود أكثر من عنوان للمشترك الواحد، فضلاً عن صعوبة التحقق من شخصيات المشتركين وخصائصهم الديموغرافية، كل ذلك كان يعرقل الوصول لكل المواطنين وإشراكهم، لكن سرعة انتشار الإنترنت وإمكانية الدخول للشبكة من الهواتف الذكية الرخيصة، أحدث نقلة نوعية قدمت حلولاً لكثير من المشكلات، كذلك فإن الرقم القومى يساعد على التثبت من شخصية أى مواطن عندما يدخل على الشبكة للاشتراك فى استطلاع إلكترونى أو يصوت فى الانتخابات العامة أو المحلية.
إن التصويت الانتخابى عبر الإنترنت يُعظّم من فرص المساواة والعدل بين البشر، ويزيد مشاركتهم فى الحياة العامة، ويخفض تكلفة الانتخابات الورقية، ويقلص إلى حد كبير من فرص التزوير والتلاعب فى النتائج، كما أنه قد يقضى على مهنة استطلاعات الرأى العام التقليدية. باختصار سيُعاد النظر فى معنى وشكل الانتخابات وفى صناعة الرأى العام، وفى المفاهيم والمناهج والأدوات المستخدمة، وهناك توجه أكاديمى محترم- أؤيده تمامًا- يدعو لإلغاء استطلاعات الرأى العام واستبدالها بالتفاعلات المباشرة بين ملايين المواطنين على الإنترنت، وإجراء الاستطلاعات والانتخابات على شبكة الإنترنت، وإعلان نتائجها بسرعة وشفافية، وهذا التوجه يتحدث بمنطق قوى عن العودة للديمقراطية المباشرة التى عرفها اليونانيون قديمًا ولكن عبر الإنترنت، بحيث يعاد شكل الاستطلاعات والانتخابات الحالية، بل والتمثيل البرلمانى، وإيجاد صيغ جديدة للمشاركة السياسية المباشرة عبر الإنترنت والمواطن الشبكى، تتجاوز فكرة الناخب التقليدى الذى يذهب لمراكز الاقتراع كل عدة سنوات.
رسالتى أن تكنولوجيا الاتصال وتعميم الإنترنت ومضاعفة سرعاته وخفض أسعاره، كلها عوامل تقرب البشرية من عصر المشاركة السياسية الواسعة والمباشرة، لكن ماذا عنا فى مصر ونحن مازلنا فى سنة أولى ديمقراطية؟ أتصور أن العولمة لا تجعلنا بمنأى عن كل هذه التطورات، وبالتالى من واجبنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، والتفكير من الآن فى إمكانية تشبيك المواطنين على الإنترنت وممارسة أشكال جديدة من الحوار واستطلاع الآراء، وربما التصويت فى الانتخابات عبر الإنترنت، ولاشك أن الأمية تشكل عقبة كبيرة، لكن يمكن البحث عن حلول غير تقليدية لدمج الأميين فى المجال العام الحر الذى يخلقه الإنترنت، أو من خلال الاتصال على مرحلتين أو أكثر.
ربما تظل عملية صعبة، لكنها ليست مستحيلة، فمن الميسور تمكين الأميين من التصويت عبر الشبكة فى مراكز الاقتراع باستخدام رموز انتخابية، مع احتفاظ غير الأميين بحقهم فى التصويت والمشاركة من منازلهم، وعلينا أن نتذكر دائمًا أن الأمية تمثل عقبة كبيرة أيضًا فى استطلاعات الرأى العام التقليدية، والانتخابات بأشكالها القديمة، كما أن هناك تجارب دولية فى الهند وبعض دول أمريكا اللاتينية قد بدأت فى تطبيق التصويت عن بعد، والتصويت الإلكترونى فى الانتخابات. عموما أتمنى أن نبدأ وأن تتبنى إحدى الجامعات أو المراكز البحثية المحترمة إقامة ندوة لمناقشة هذا الموضوع من كل جوانبه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة