كانت النغمة السائدة هى: «نريد التغيير والتخلص من الوجوه القديمة»، وعندما أسفرت الانتخابات عن دخول ثلثى الأعضاء مجلس النواب لأول مرة، شحذ نفس دعاة التغيير أقلامهم وألسنتهم للهجوم على البرلمان، وسلطوا أضواء ساطعة على التجاوزات الصغيرة والكبيرة، مطالبين بحل البرلمان، والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، وكأنها ستأتى بنواب من كوكب آخر، وليس من القرى والمدن والنجوع والدوائر التى انتخبتهم نوابا «سوبر» على مقاس منتقديهم، وحتى لو حدث ذلك فلن يرضوا عنهم.
الناخبون هم الذين اختاروا النواب الجدد بإرادتهم الحرة النزيهة، ولم تصوّت الحكومة نيابة عنهم حتى تريحهم من عناء الوقوف فى الطوابير، كما كان يحدث فى العهود السابقة، ولم تسوّد الصناديق، ولم تستلهم أرواح الأموات، ولم تستحضر المسافرين للإدلاء بأصواتهم دون أن يحضروا، ولم تسخر الوزارات والمحليات أموالها ومقراتها لغواية الناخبين، ولم يكن وراء الناجحين حزب حاكم يدعمهم، ولا رئيس يتمسحون فيه، بل اجتازوا الماراثون الصعب بجهدهم وعرقهم، ولم تتدخل الشرطة ولا البيه المأمور وضباط المباحث لصالح مرشحى الحظوة، بل وقف الجميع على الحياد، وعكست النتائج إرادة الناخبين واختياراتهم.
غالبية البرلمان وجوه جديدة معظمها من الشباب، وليست لهم سابقة أعمال برلمانية، ويحتاجون الصبر وبعض الوقت حتى تكتمل تجربتهم وتنضج خبراتهم، ويجب أن نراهن عليهم بعد عامين أو ثلاثة، عندما يظهر بينهم نجوم يجيدون أداء المهام البرلمانية بمهارة واقتدار، لأنهم يمتلكون الوعى والجماهيرية وحسن السمعة، ولا يتحركون بإشارات أصابع زعيم الأغلبية التقليدى الذى كنا نراه فى البرلمانات السابقة يجلس فى الصفوف الخلفية، ويأمر هذا بالكلام وذاك بالصمت، والكل يطيع خوفًا من غضبه وسطوته.
كان بإمكان الدولة أن تريح وتستريح من مشقة البحث عن ظهير برلمانى، بأن تؤسس حزبًا سياسيًا يمثلها، ويحقق أغلبية كاسحة، ويجذب كل ألوان الطيف السياسى، ولكن نتذكر أن الرئيس السيسى رفض هذا الخيار المريح، ونادى بقائمة ائتلاف وطنى تنضوى تحته كل الأحزاب والقوى والتيارات السياسية، لتتسع دائرة المشاركة وتضم الجميع، ولكن تعامل البعض مع هذا الطرح الإصلاحى على أنه فرصة لتقسيم الغنائم، وتحقيق المكاسب، وتشاجروا وتعاركوا وتنازعوا واختلفوا، فرفعت الدولة يدها وتركت الخيار للصندوق، ووقفت على مسافة واحدة من الجميع.
يجب أن نعترف بأن وعى الناخبين وحسهم الوطنى كانا أعلى بكثير من الأحزاب والتيارات السياسية، وأغلقوا الطريق فى وجه الإخوان والسلفيين الذين كانوا يتوقعون أن يقتنصوا 130 مقعدًا على الأقل، فلم يحصلوا إلا على 12 مقعدًا، وهى نتيجة واقعية ترسخ إرادة الجماهير فى استكمال مشوار 30 يونيو، واستكمال تحرير البلاد من عصابات المتاجرة بالدين، ومن الطبيعى أن ينشط الإخوان والسلفيون ومريدوهم، ومعهم الراسبون والمتربصون والكارهون لتشويه صورة البرلمان، وتزييف مزاعم كاذبة حول فشله وعدم صلاحيته، وعدم قدرته على قيادة أداء دوره الرقابى والتشريعى، ورغبة الناخبين فى حله وإجراء انتخابات جديدة.
من واجب الأعضاء أن ينتبهوا للفخاخ المنصوبة لهم، وأن يتأكدوا أن السهام إذا إصابتهم فلن ينجو منهم أحد، وأن يرتفعوا فوق التفاهات والصغائر، ويكفوا عن معارك اقتناص المناصب ورئاسة اللجان، وأن يضبطوا موجتهم على نبض الجماهير، ومصالح الأغلبية التى جاءت بهم، وأن يكونوا فى ظهر الدولة فى المشروعات والقرارات التى تخدم السواء الأعظم من الشعب، فالزمن تغير ولم يعد هناك مجال لنواب التصفيق والهتاف والحشد، وليس فى البرلمان حزب حاكم يسعون إلى كسب رضاه، والناس يرصدون كل صغيرة وكبيرة، ويدخرونها لوقت الحساب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة