واقعة إقالة المستشار أحمد الزند وزير العدل من منصبه بعد تصريحاته أو زلة لسانه المسيئة للنبى ( ص)، تحتاج إلى مزيد من التحليل، خاصة إن موقف الزند هنا معقد، ونظرتنا أيضا للقرار ليست على وجه واحد موافق أو رافض .. بهدوء تعالوا نقرأ ما بين السطور، ما للزند وما عليه وما للدولة فى قرارها وما عليها من كل الجوانب دينيا وسياسيا وأيضا من وجهة نظر أهل السوشيال ميديا ومفهوم رجال الدولة.
تحليل قضية الزند دينيا .. الجميع اتهم الرجل بأنه سب النبى عليه الصلاة والسلام دون مراعاة أن الرجل فى اللحظة نفسها قال «أستغفر الله العظيم .. أستغفر الله العظيم»، والاستغفار هنا خير دلالة على عدم قصد الإساءة، غير أن البعض تمسك بالإساءة متعمدا عدم سماع الاستغفار للمزيد من المماطلة فى الاستغلال الدينى للواقعة ومهاجمة الزند بدعوى الدفاع عن النبى، ونقل الواقعة من زلة لسان غير مقصود إلى جرم دينى، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأزهر الشريف نفسه سار على درب المزايدة ببيان صحفى يرفض فيه الإساءة، وكأنه لم يسمع الاستغفار ولم يعلم أن الاستغفار هو باب التوبة .. والباب لا يغلق أبدا.
تحليل قضية الزند سياسيا .. وهنا البداية تكون، هل للزند أخطاء سياسية طيلة فترة جلوسه على كرسى وزارة العدل؟ المنطق يقول إن الزند له تصريحات مثيرة للجدل مثل تصريح أحكام الإعدام وقانون محاكمة آباء الإرهابيين، ولكن ليس له أخطاء سياسية بالمعنى الواضح خلال فترة توليه الوزارة، بل على العكس كان من أفضل الوزراء نشاطا، وشهادتى منطقها ما أنجزه الزند من تحركات على أرض الواقع فى ترتيب الوزارة من الداخل، ولجنة حل منازعات الاستثمار، والدفع نحو حل مشاكل التقاضى، ولكن كل هذا لم يشفع للزند أن له خصوما سياسيين قبل توليه الوزارة بالأساس وهؤلاء الخصوم كانوا دائما على النقيض منه، ضده فى كل الأوقات، وبالتالى، عندما كانت زلة اللسان كان أرشيفه كله يتجدد، وتم تجسيد الزند كأنه عبئا على الوزارة لابد التخلص منه.
تحليل الزند ومنطق رجال الدولة .. تختلف أو تتفق مع الزند، ولكن لا تنكر أنه رجل دولة وخدم الدولة المصرية وذائع الصيت، وجلوسه على كرسى الوزارة بالأساس، ليس لأنه أفضل من يتولى إدارة الوزارة، ولكنه لأنه الأقرب للدولة ولسياستها، ومن ثم لمنصب وزارة العدل، ومشهد التخلى عن الزند بهذه الطريقة يعكس أن الدولة لا تحسن صناعة مشهد النهاية مع رجالها، الزند تمت إقالته فى مشهد مهين سيسجل فى تاريخه، لأن المشهد دلالاته بأن الدولة لا تحمى رجالها، بل تكسر رجالها لأنه إذا وضعت مشهد قبول استقالة إبراهيم محلب بكل سهولة رغم كل ما قدمه للبلاد وتغير اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الذى وقف إلى جوار السيسى فى 30 يونيو ولو كانت فشلت لكان ينتظر “الإعدام“، تجد أن الدولة لا تراعى فى تغيراتها الداخلية “شعرة الحفاظ على رجالها، مع الأخذ فى الاعتبار اختلافى السياسى مع كل الأسماء التى ذكرتها.
قبل أن أنهى تلك النقطة، لا تقنعنى أن زلة اللسان هى التى أقالت الزند، كان يجب على الدولة أن تعلن بشكل واضح الأسباب الحقيقية وراء الإقالة، وتفادى تصدير أزمة “زلة اللسان“، إضافة إلى أنه لو كانت الدولة تراعى رجالها، لكانت انتظرت أسبوعا وخرج الزند فى التعديل الوزارى المرتقب.
أخيرا.. إقالة الزند والسوشيال ميديا .. وهنا الكاسب الأول ليس الدولة، ولكن السوشيال ميديا، لأن جمهور مواقع التواصل يشعر بنشوة الانتصار بعد الإقالة، ناهيك أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد صمتا من كل الوزراء، وامتناعا عن الظهور الإعلامى، خوفا من أى زلة لسان .. وللعلم كان من الممكن أن أكتب مؤيدا ومهللا أو معارضا ومنتقدا، ولكن اخترت أن أقف معك على مفاتيح القرار وأسبابه وتبعاته، وصولا إلى قليل من الفهم الذى يرشدنا الطريق الصحيح.