مازالت ليبيا تعانى من توحش الجماعات الإرهابية وتوغلها، وتحديدًا تنظيم داعش، دون أن يتحرك أحد، الجميع يبدى الرهان على الحكومة الجديدة برئاسة فايز السراج، لكنه رهان منقوص، لأنهم غير مستعدين لتقوية الحكومة، ومنحها القوة التى تحتاجها فى وجه الإرهاب.
قبل أيام أعلن وزراء خارجية الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، والممثل السامى فى الاتحاد الأوروبى ترحيبهم ببيان الحوار السياسى الليبى، معربين عن دعمهم لحكومة «السراج»، لكنهم لم يحددوا شكل الدعم، وفى الغالب هم يبحثون عن دعم سياسى، لأنهم لا يريدون التورط فى أى شىء آخر، وهو ما أكدته تصريحات متتالية لمسؤوليين أوروبيين كشفوا عن نيتهم تجاه ليبيا، فهم يريدون أن يبقى الحال على ما هو عليه، وإذا أردات الحكومة الليبية التحرك ضد الإرهاب فلتقم بهذه المهمة بنفسها، فوزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتى قالت إن بلادها لا تخطط للقيام بتدخل عسكرى فى ليبيا، وما يمكن تقديمه فى الوقت الراهن هو تقديم المساعدة لحكومة ليبيا الشرعية فى بسط الاستقرار داخل البلاد فى إطار بعثة دولية، فالأولوية لدى إيطاليا الآن تحديد سبل إنهاء العملية السياسية الخاصة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لكن أى عمل عسكرى فمستبعد.
وتزامن ذلك مع إعلان وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أنه لا يمكن القيام بأى عملية عسكرية فى ليبيا إلا بموافقة مجلس الأمن، وقال «لافروف» فى مؤتمر صحفى مع نظيره التونسى فى موسكو الاثنين الماضى: «نعلم بخطط التدخل العسكرى، بما فى ذلك التدخل فى الوضع فى ليبيا.. وجهة نظرنا المشتركة هى أن ذلك ممكن فقط بإذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأى تفويض محتمل لعملية ضد الإرهابيين فى ليبيا يجب أن يكون محددًا بوضوح، بما لا يسمح بتفسيرات منحرفة أو خاطئة»
فرنسا هى الأخرى تريد العمل فى الجانب السياسى من خلال دعوة الاتحاد الأوروبى لفرض عقوبات ضد مسؤولين فى ليبيا قالت إنهم متهمون بعرقلة تشكيل حكومة وحدة وطنية، والإشارة هنا واضحة تجاه نورى أبوسهمين، وخليفة الغويل، فهما المتهمان الأساسيان بعرقلة الجهود السياسية فى ليبيا حتى الآن. الكل الآن يتحدث عن حلول سياسية، بعدما ملأوا الدنيا ضجيجًا عن التدخل العسكرى.. تركوا ذلك واهتموا بالسياسة، لكن السياسة من وجهة نظرهم فقط، فلا أمل أن يغير الغرب استراتيجيته تجاه الوضع فى ليبيا، فهم يعتبرون أن الأزمة سياسية، فى حين أن القضية أمنية فى الأساس، فكيف نتحدث عن استقرار للوضع فى ليبيا وهناك ميليشيات مسلحة تسيطر على أجزاء من غرب ليبيا وتقوض الأمن، وهناك توغل لداعش فى سرت ومدن ليبية أخرى.
أوروبا تتحدث عن مسؤولية الحكومة الليبية فى بسط الأمن والاستقرار، دون أن تقدم مساعدة وحيدة لهذه الحكومة، تتحدث عن الدعم وترفض تسليح الجيش الليبى من خلال رفع حظر تسليحه، فكيف يستطيع جيش لا يملك إلا أفرادًا غير مدربين وغير مسلحين أن يواجه جماعات إرهابية تتلقى دعمًا لوجستيًا من قطر وتركيا، هل هذا ما تريده أوروبا فعلاً؟، هل تريد أن يدخل الجيش الليبى معركة غير متكافئة مع تنظيم إرهابى مدعوم ومجهز بهذا الشكل؟
هل يترك الأوروبيون «داعش» يتمدد فى ليبيا؟.. وجود «داعش» وتمدده فى غرب ليبيا، وتحديدًا على شواطئ البحر المتوسط المقابلة لأوروبا، ليس خطرًا على دول الجوار الليبى فقط، إنما هو أشد خطورة على أوروبا، لكنّ الأوروبيين للآن لم يتخذوا الخطوات التى تشير إلى أنهم يدركون هذه الخطورة، فجميع التقارير تؤكد جدية الخطر القادم من المستنقع الليبى على أوروبا، لكن العواصم الأوروبية يبدو أنها لم تصل إلى مرحلة التعامل الجدى مع هذا الخطر.
ليس مطلوبًا أن يقوم الغرب بعملية عسكرية فى ليبيا، لأن هذه العملية تحتاج لتحالفات وموافقات إقليمية يبدو أنها غير متوفرة حتى الآن، لكن على الأقل أمام الأوروبيين فرصة قوية لتدعيم الجيش الليبى ليكون قادرًا على مواجهة الجماعات الإرهابية على الأرض، ومن جهة أخرى مواصلة الضغط على تركيا وقطر ليوقفا دعمهما للجماعات الإرهابية فى ليبيا، فبدلاً من أن تقيم أوروبا حوارًا مع تركيا لضبط الهجرة غير الشرعية، عليها أن تبدأ حوارًا صريحًا مع أنقرة لتوقف دعمها لـ«فجر ليبيا»، وما تبعها من ميليشيات مسلحة مثلت الحاضن الأساسى لتنظيم «داعش».