جانب كبير من أزمتنا كشباب مصرى، هو اللاوعى، لا نجد مصدرا موثقا يشرح لنا التعقيدات فى القضايا اليومية التى تواجه البلاد، نحن كشباب نقع فريسة برامج التوك شو، التى تصدر لنا ما تريد أن تصدره، لا ما نريد أن نفهمه ونعرفه، وحتى إن كان هناك وسائل أخرى للمعرفة، فأغلبها يقدم المعلومة بشكل جاف، بعيدا عن ربطها بمجريات الواقع.
مفتاح المعرفة لدى الشباب هو السهولة فى الطرح والخفة فى المعلومات، واختيار التوقيت الصحيح لإعلانها، ومن هنا كان سعى مجموعة من الشباب لا أعرفهم، ولكن أتابعهم عن قرب، أسسوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك»، ينشرون عليها يوميا جرعات معرفية بلغة شبابية، جرعات تتسم بميزات ثلاث مهمة من عدم التلوين السياسى والحيادية التامة فى الطرح والتناول الموضوعى.
هذه الصفحة تحمل اسم «الموقف المصرى»، وانطلقت على الفيس بوك قبل 22 يوما، وفى هذه الفترة القصيرة حققت مليون قراءة و100 ألف متابع، بمقاييس السوشيال ميديا هى صفحة وليدة، ولكن بمقاييس التقييم هى صفحة ذات مستقبل كبير، لا تقل عن صفحة خالد سعيد فى بداياتها.
ما جذبنى لمجموعة «الموقف المصرى» هو الكلمات التى اختاروها فى إعلانهم التأسيسى، قالوا: «إحنا مجموعة من المصريين يجمعنا الحلم بتغيير بلدنا للأحسن، نفسنا فى بلد زى العالم المتقدم، فيها هدوء واستقرار وأمن وعدالة لكل المصريين، وتنمية اقتصادية وعلمية.. حالياً المعركة اللى صوتها أعلى فى مصر بين فئتين كبار، أتباع الإخوان والسيسى، هما الاتنين قادرين يطلعوا خطاب خاص بيهم، روايتهم للأحداث الماضية والحالية، وتحليلها، ورؤية للمستقبل.. احنا مش ضد حد فى مصر، لكن بنقول إن الفئتين دول بيكون عندهم كلام موحد، وكلهم مقتنعين بيه، وممكن فى لحظة تلاقى نفسك محاصر فى كل مكان بالزن على نفس الأفكار.. والزن على الودان أمر من السحر طبعا، فنعمل إيه؟ إحنا مين بقى؟ إحنا الفئة التالتة، المصريين الراغبين فى التغيير والإصلاح بشكل عام كأولوية قبل انتمائاتنا السياسية، مش بنتكلم عن فريق الثورة بس، بل بنتكلم عن إطار أوسع، يندرج تحته أى شخص بما فيه المنتمى لمعسكر الإخوان أو السيسى ما دام مستعد يوصل لحلول وسط وعاقلة للحياة المشتركة الآمنة مع بعض، لأن كلنا مصريين، فريق السلطة والمعارضة، والإسلاميين والعلمانيين، واللى ملهومش فيها، والأغنياء والفقراء.. كل الفئات دى منها ملايين ومحدش هيلغى وجود التانى أبداً».
الصراحة، الإعلان التأسيسى للصفحة مهم، وهو بالفعل ما تجسد فيما بعد فى عدد من البوستات المنشورة عن الدول الفقيرة، التى سلكت طريق التنمية أو شرح تفصيلى لأزمة أوبر وكريم أو حتى عن أزمات الشباب مع الصندوق الاجتماعى، أو عن أداء المحليات فى مصر ومقارنتها بأداء البلديات فى الدول الأخرى، وطرحوا للتأكيد مثالا بالمطبات و«الحفر» المنتشرة فى الطرق المصرية، كيف تعاملنا نحن معها، وكيف تعامل الآخر فى الدول المتقدمة؟
كما أكدت فى بداية المقال، صفحة «الموقف المصرى» هى بالتأكيد صفحة طموحة، تنتظر مستقبلا مهما، ولكن لو تلونوا أو ظهرت أى انتماءات سياسية أو حتى فكرية، فهنا ستكون الأزمة، ستفقد جوهرها فى أنها مصدر المعلومات الغنية بأسلوب بسيط، وتتحول إلى صفحة تابعة لجماعة هنا أو هناك، إضافة إلى أن الاستمرارية فى تقديم المعلومة ليست مرتبطة فقط بتقديمها، ولكن بمصداقيتها وتوثيقها، فأهلا بالفريق الثالث الذى يفسر القضايا اليومية، ويقدم التحليلات البسيطة للمسائل المعقدة، مستندا على معلومات موثقة معلومة المصدر يطرحها بعيدا عن أى هوى سياسى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة