أحمد إبراهيم الشريف

على مبروك

الثلاثاء، 22 مارس 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أول مرة رأيت فيها صورة للمفكر الكبير على مبروك كانت بالنسبة لى مفاجأة، لأن عهدى برجال الفكر فى عالمنا العربى هادئا، فهم يكتبون فى صمت ومستغرقين فى التأمل، فإذا بـ«على مبروك» يحمل ملامح جادة تشبه ملامح ثائر فى مظاهرة عنيفة أو رئيس حزب معارض فى بلاد بها صخب سياسى أو مناضل يؤمن بأن السياسة سوف تضيع قضيته، لذا يعتبر المعركة المباشرة على الأرض هى الحل، هذه كانت انطباعاتى الأولى على صورة على مبروك، وظلت حتى النهاية هى حقيقة المناضل الفكرى الكبير.

رحم الله على مبروك، مات ولم يقل كل شىء بعد، وكان يملك الكثير ليقوله وبموته وضعنا أمام حقيقة صعبة، مفادها ما أقل رجال الفكر فى مجتمعنا، وما أكثر المتعالمين والمدعين الذين يتشدقون بأنهم يحملون رسالات لكنهم لا يملكون سوى الفراغ، أو أنهم يخوضون فى الأمر، ويحومون حول القضايا ولا يقربونها، لكن على مبروك وقليل معه عرفوا أن مشكلة العالم الإسلامى تكمن فى «وعيه» وفى طريقة قراءته لماضيه، لذا حمل على نفسه همَّ التنوير الحقيقى، وعرف أن هناك رجالا من داخل الأمة يتربصون بها فيخلطون الدين بالسياسة، بحثا عن مصالح شخصية فعمد إلى أفكارهم يقرأها، ويبحث فى ماضيها ومستقبلها حتى أثبت للجميع أنهم مجموعة من الانتهازيين الباحثين عن مصالح ذاتية لا علاقة لها بدين ولا بأوطان.

رحم الله على مبروك وضعنا موته وجها لوجه فى مواجهة «ملاك الحقيقة المطلقة» هؤلاء المتحدثون باسم الله فى الأرض، والقارئون لكتب «مغلقة» إلا على فهمهم، فلا أحد يقترب مما ينطقون ولا أحد يعرف ما يعرفون أو يفهم ما يفهمون، وهؤلاء كان على مبروك يقف لهم بالمرصاد كان يفضحهم بفكره المستنير وكتاباته الممتلئة بالمنطق وقراءاته الواعية لتاريخ الأفكار، بينما هم يرددون جملا يحفظونها عن ظهر الغيب، لا يعترفون بتاريخ أو تطور أو معاصرة، إنه أسلوب التقديس الذى قضى على مبروك مشروعه كله فى بحثه وتحليله للوصول إلى رؤية أقرب للإنسانية يمكن من خلالها الاستفادة من هذا التراكم المعرفى للوصول إلى مستقبل عربى يليق بهذه الأمة.

مات على مبروك وبقيت أفكاره صامدة، تحتاج منا أكثر من البكاء عليه، تحتاج إلى أن تتولى وزارة الثقافة طباعة أعماله الكاملة فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأن يبحث أهله وتلاميذه عن أبحاثه غير المنشورة أو المنشورة فى دوريات خارج مصر فيعاد نشرها من جديد فحاجتنا لمواجهة الظلام أصبحت أكثر ضرورة فى الأيام المقبلة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة