الغرب احتفى بنور بطلة الإسكواش وذبحها المصريون بقبح التعليقات من القابعين على الكيبورد
اسمان بينهما السماء والأرض، الأولى رفعت اسم مصر عاليا، وحصلت لأول مرة على لقب بطلة العالم فى رياضة الإسكواش، وتفوقت على حاملة اللقب البريطانية، وكتبت عنها الصحف العالمية قصائد من الشعر، ولقبتها بسليلة كليوبترا وابنة مصر، ومع ذلك ترك رواد السوشيال ميديا كل إنجازها وتعب الأيام وتدريب الشهور والسنين، وعلقوا على ملابسها والشورت القصير التى ترتديه، وكأنه مطلوب منها أن ترتدى الحجاب وهى تلعب فى الملعب أو تخالف القانون الدولى فى هذا الشأن.
لم تسلم نور الشربينى من مرحاض السوشيال ميديا، وذبحها المصريون بفحش الكلام وقبح التعليقات، وسخرية القابعين على الماوس والكيبورد، وبدلا من تكريمها عبر الشبكة العنكبوتية سلخوها وجلودها، وقطعوا لحمها عبر الفضاء الإلكترونى، والواقع الافتراضى المهبب بهباب نفوسهم، والملوث بقاذورات أفواههم والمسنون فى حبر نفوسهم الشاذة والمريضة.
لقد استدعى ذلك انتباه صديق لى يعيش فى السويد، متخصص فى علم النفس السلوكى، وبالتحديد السلوك القطيعى، ويعنى استقطاب جماعة نحو سلوك معين فى وقت معين تجاه شخص أو فكرة، وعاتبنى وهو منزعج جدا، كيف أن الغرب احتفى بهذه البطلة فى مجالها، ونحن نسخر من لباسها الرياضى، وقال لى عبارة نزار قبانى، يبدو أن سلوك القبيلة لم يغادر عقولنا، وأن الغريزة الجنسية لا تزال تحكم الرجل المصرى والعربى، وقال: إنه قرأ التعليقات على السوشيال ميديا، ووجد أن كلها تقريبا من شباب، وأنه كان يتصور أن الأجيال التى تتعامل مع الشبكة العنكبوتية أكثر وعيا ورقيا- من الرقى- لكنه صدم أيما صدمة، لأن الفارق كبير بين ترحيب الإعلام الغربى بالبطلة المصرية وإعلام مصر بها، خصوصا أن هناك حملة عدائية من الإعلام الغربى ضد مصر، واستثمارا لقضية ريجينى وقرارات الاتحاد الأوروبى الأخيرة ضد مصر، وأنه لو لدينا تأثير فى الإعلام الغربى كنّا استفدنا من احتفاء الغرب بالبطلة المصرية، لكن المتابع لإعلام مصر لا يجد إلا كل ما يحبط ويثير الكأبة، هذا رأى صديق لى مهاجر للسويد ولديه حق فى كل ما قال.
على الجانب الآخر، وتأكيدا للاستخدام المستفز للشبكة العنكبوتية من قبل شبابنا، تجد إقبالا منقطع النظير لفتاة إباحية رخيصة، لم أسمع عنها إلا من خلال خبر صحفى منسوب لمصدر فى مباحث الإنترنت فى الداخلية، قال: إنهم سيغلقون حسابها على الفيس بوك، لأنها تجذب الشباب بصورها العارية ودعوتها للإباحية الجنسية، وعندما سألت المصدر، هل الداخلية فاضية لتتبع فتاة منحرفة أو ساقطة أنشأت صفحة للعهر كما تفعل كثيرات فى كل أنحاء العالم؟ قال: لقد وصلتنا شكاوى من أولياء الأمور بتتبع بناتهم وأبنائهم لها، وأنها تدعو للإلحاد واللا دين.
أغلقت الهاتف وأنا غير مقتنع، لأن ما حدث أعطى أهمية لشىء تافه وقتله يكون بالإهمال، وليس بالتركيز معه، كما أنى مقتنع أن المنع لا يفيد فى هذا العصر، وأن التربية والوعى والثقافة أعظم جهاز مناعى ضد هذه الفيروسات، لكن ما جعلنى أذكر الحالة الثانية هو أن تعامل الشباب على السوشيال ميديا وضع الاثنتين فى نفس الكفة من حيث التناول والتعليقات، بل إن السخرية من الأولى تحولت لظاهرة مستفزة لصاحب العقل، وهذا هو الفرق بيننا وبين الغرب، هناك آراء واضحة وقيم محددة والفوارق فى التقييم لا خلاف عليها، هناك العالم له احترامه وتقديره فى إطار العلم والتحضر، أما عندنا سداح مداح، حالة سيولة وذوبان نحو القاع، وما زلت عند رأيى أن العالم الافتراضى مرحاض عمومى، وأن بعض مرتادى هذا العالم يعيشون فى حضيض التعليقات ومستنقع الكلمات إلا من رحم ربك، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة