دندراوى الهوارى

دموع وألم «عسكرى» فى قطار الصعيد المكيف.. درس قاس ومؤلم

الخميس، 24 مارس 2016 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثناء ركوبى قطار الصعيد المتجه من «المنيا إلى القاهرة»، جلست فى مقعد خلف مقعد «عسكرى أمن مركزى» يتحدث فى التليفون مع والدته يخبرها قائلا: «كان نفسى أكون جنبك، والله على عينى يا أمى، وهشحن كارت بـ10 جنيه وأكلمك لما رصيدى يخلص.. والله معايا فلوس الحمد لله مستورة».

بعدها بـ5 دقائق جاء كمسرى القطار يطلب تذكرة ودار بينه وبين العسكرى الحوار التالى:

الكمسرى: تذكرة يا دفعة.

العسكرى: مش معايا تذكرة كنت مستعجل ركبت القطار المكيف خايف أتأخر عن الخدمة بتاعتى فى الكتيبة.

الكمسرى: هتدفع غرامة بـ35 جنيه تمن نص تذكرة.

العسكرى: والله مش معايا غير 50 جنيه بس.. كنت عامل حسابى أدفع فى القطر العادى 10 جنيه وأشحن بـ10 جنيه أطمن على أمى وأهلى فى البلد.

الكمسرى: مين قالك تركب القطار المكيف طالما مش معاك أو تقدر تدفع تذكرته؟!

العسكرى: والله خايف أتأخر عن الخدمة وغصب عنى ركبت المكيف.

الكمسرى: متكلمش أمك وادفع بدل ما أنزلك من القطر..!!

العسكرى: حسبى الله ونعم الوكيل.

وبعد إلحاح كمسرى القطار لم يجد العسكرى بدا غير أن يدفع ثمن نصف التذكرة، مرددا والله مش معايا غيرها...!! لم تمر ربع ساعة من الواقعة، والحوار بين عسكرى الأمن المركزى والكمسرى، حتى أخرج العسكرى من شنطته ساندوتش «طعمية» وعزم على الجالس بجواره بإلحاح شديد مرددا والله فيه تانى، والله لتشاركنى الأكل أنا معايا كتير، لكن الحقيقة لم يكن معه إلا ساندوتش واحد فقط لم يأكل غيره طول الطريق الذى استغرق ثلاث ساعات.

حينها ومن فرط تأثرى البالغ الممزوج بإعجاب كبير، حاولت أن أعطيه كارت شحن بـ25 جنيها، وبذلت جهدا فى إقناعه بأن معى كارت زيادة ولست فى حاجة إليه، لكنه رفض بشدة. وقال لا، وكررها ثلاثة مرات، لا لا لا شكرا يا أستاذ أنا مش محتاج، ومستورة والحمد لله بس معملتش حسابى إن المكيف هيمنعنى من إن أكلم أمى أطمنها عليا كل فتر.

بعدها بنصف ساعة دار حوار آخر بين العسكرى وشخص يطلب منه ترك الكرسى اللى قاعد عليه، لأنه بتاعه حسب الحجز، قائلا له: الكرسى اللى قاعد عليه دا بتاعى أنا حاجزه من محطة المنيا.. رد العسكرى: طب هقعد فين؟؟

الشخص الآخر: ماليش دعوة مش مشكلتى.

العسكرى رد: حرام عليك أنا أول ما هانزل هقف فى الخدمة 12 ساعة.

الشخص الآخر: اقعد فى الحمام أو بين عربيات القطار زى أى حد بيدفع غرامة عدم الحجز.

العسكرى: حقك عليا أنا ركبت من غير ما أحجز ودفعت الغرامة علشان خايف أتأخر عن الخدمة!

هذه شهادة مواطن، نقل الواقعة تفصيليا، وبطريقة بارعة، ودونها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك». هذه الشهادة التى تبكى حتى أصحاب القلوب القاسية، قساوة صخر الجرانيت، إنما تؤكد أن هناك رجالا عاهدوا الله، وعاهدوا أنفسهم وذويهم، وبنى وطنهم، أن يكونوا درعا حاميا لمصر، وسيفا بتارا يقطع يد وأرجل ولسان كل من تسول له نفسه الاقتراب والحصول على قبضة من تراب هذا الوطن.

هذا العسكرى الذى لا يملك إلا خمسين جنيها فى جيبه، ما هو إلا مثال معبر عن ملايين يقطنون الكفور والنجوع والعزب والقرى والمدن البعيدة عن صخب مقاهى وسط القاهرة الذى يرتادها المتسكعون، وأراذل الناس، من الذين يطلقون على أنفسهم نشطاء ومثقفين ونخب، وهم فى الحقيقة، عار وعال وبلاء ابتلى به هذا الوطن.

هذا العسكرى، نموذج للملايين، الذين يضحون ويقدمون أرواحهم، فداء لبلدهم، دون انتظار، كلمة شكر، من حاكم أو مسؤول، ولا يجلسون فى قصور السلطة ينْظرون، ويطالبون بمنح الحرية للأدب الجنسى، والحريّة والتكريم لكل من يهتف يسقط يسقط حكم العسكر، ويحرق ويدمر المنشآت العامة، ويحرض على قتل الضباط، والجنود، والشخصيات الوطنية.

هذا العسكرى، لا يجلس فى الصفوف الأمامية فى قصور السلطة، لأنه لا يعرف توجيه السباب أو الشتائم، أو يسخف ويسفه من الإنجازات، وأداء الجيش والشرطة، أو يردد كلاما غليظا، ومصطلحات خشنة ومكعبرة.

واقعة عسكرى القطار المكيف، موجعة، ومؤلمة، وتصيب القلب بنزيف حاد، وتنكأ كل الجراح، وشارحة للوضع المعكوس، فى بلدنا حاليا..!!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة