فى ختام سلسلة مقالات المرأة من سوق النخاسة إلى قصر الرئاسة نسأل أنفسنا، هل أصبح للمرأة دور فى المجتمعات العربية الحديثة؟، هل أصبحت عضو فعال فى المجتمع؟ هل أعددناه للقيادة؟، هل هى قادرة على تربية قادة؟، هل المرأة العربية صاحبة فكر وثقافة ؟، كم كتاب تقرأ ابنتك أو أختك؟، ما مصدر الثقافة والعقيدة لنساء العرب ؟ ما هى اهتمامات نساء العرب الآن؟ سنعلم جميعاً مستقبل بلادنا المختلفة من إجابات هذه الأسئلة.
التاريخ لا يخلو من أمثلة لنساء مسلمات وغير مسلمات حكمن على مر التاريخ وعلى سبيل المثال لا الحصر شجرة الدر أحد أشهر الشخصيات العربية الذى تولت عرش مصر لمدة ثمانين يوماً بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب.. الذى تابعه سقوط مدينة دمياط فى قبضة طلائع جيش ملك فرنسا لويس التاسع، وكانت شجرة الدر الحاكمة الفعلية لمصر فى هذا الوقت الذى وافقت بدورها على خطة وضعها المماليك للقضاء على الحملة الصليبية السابعة فى المنصورة، حاصروا المماليك القوات الصليبية المهاجمة وأغلقوا الشوارع والحوارى وبقى الصليبيين غير قادرين على الهروب ولم يبقى امامهم سوى الموت على الأرض أو أن يرموا نفسهم فى نهر النيل ويغرقوا فيه. وتم القضاء على الحملة الشرسة وتم أسر لويس التاسع فى أولى مواجهاته فى المنصورة وقتل "روبرت دارتوا" أخ لويس من قبل أهل المنصورة. ولكن بعد النصر تمت مبايعتها رسميا، أخذت البيعة للسلطانة الجديدة ونقش اسمها على السِّكة بالعبارة الآتية "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين". ولكن بدأت المعارضة العنيفة ضد حكم امرأة لمصر وخرج المصريون بعد فتوى العز بن عبد السلام مخالفة جلوسها على العرش للشرع فى مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على عرش البلاد، وكان المعارض الأقوى لحكمها الخليفة العباسى المستعصم وكتب للمماليك خطاباً شديد اللهجة يقول لهم “، إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً".
لم يكن يعلم أبو عبد المجيد "المستعصم بالله" الخليفة العباسي" الأخير وهو يكتب إلى المماليك فى مصر أثناء تولى شجرة الدر حكم مصر إن هذه المرأة الذى هو يعترض على توليها الحكم قد نجحت فيما سيفشل فيه هو بعد 8 سنوات من إرسال هذا الخطاب حيث ستسقط الخلافة العباسية للأبد على أيدى التتار.
لم تكن شجرة الدر أول امرأة تحكم فى العالم الإسلامي، فقد سبق أن تولت رضية الدين سلطنة دلهي، واستمر حكمها أربع سنوات خلفا لأخيها ركن الدين فيروز وكان منشغلا عن مسئولية الحكم وتبعاته باللهو واللعب، تاركا تصريف أمور دولته إلى أمّه التى استبدّت بالأمر وهو ما جعل الأحوال تزاد سوءا، وتشتعل المعارضة ضده، وانتهت الأزمة بأن بايع كثير من الأمراء رضية الدين بنت التتمش، وأجلسوها على عرش السلطنة، وكانت تتمتع بصفات طيبة من رجاحة العقل، وشجاعة النفس، وعلى حظ كبير من الذكاء، تحفظ القرآن الكريم، وتلم بالفقه الإسلامى، وهى ابنة السلطان شمس الدين إلتتمش. وقد كانت تدربت فى حياة والدها على تنظيم الدولة وتولى شئون الجيوش وكان يعدها لتكون ولية عهده.
وفى اليمن أيضاً الملكة أروى بنت أحمد الصليحى ملكة الدولة الصليحية وهى أول ملكة فى الإسلام تولت الحكم بعد وفاة زوجها المكرّم ملك اليمن سنة 481هـ اختلف الصليحيون والزواحيون فيمن يتولى الحكم، وكان زوجها قد أوصى أن تسند أمور الدعوة إلى الأمير المنصور سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحى الذى طمح إلى الزواج منها، فلم ترض أروى بهذا الاختيار، واحتكم سبأ إلى المستنصر بالله الفاطمى الذى أمر أروى أن تقبل بسبأ زوجاً، وإن ظل هذا الزواج صورياً، وظلّت أروى تمسك بمقاليد الحكم الفعلية، وتُرفع إِليها الرقاع، ويجتمع عندها الوزراء، ويدعى لها على منابر اليمن، فيخطب أولاً للخليفة الفاطمى ثم لسبأ ابن أحمد ثم للسيدة الحرّة أروى. ولم تلبث أن استقلت بأمر الحكم بعد وفاة زوجها الثانى سبأ سنة 492هـ، واعتمدت فى تدبير أمور المُلك على عدد الوزراء أهل الثقة والخبرة، وامتدت أيام حكمها بعد ذلك أربعين سنة، استطاعت فى أثنائها أن تمارس سيادتها على الإِمارات اليمنية الصغيرة من دون إخضاعها وعلى إِثر وفاتها دبّ الضعف فى جسد الدولة الصليحية وتفككت أوصالها وصار الأمر فيها إلى الأمراء من آل زريع، وانتهى أمر الصليحين تماما بعد أن غزا توران شاه بن أيوب اليمن سنة 569هـ.
ولو اردت أن أذكر حكم المرأة فى العصر الحديث فلا انتهى، ولكن يكفى أن أقوى اقتصاد أوربى تحكمه إمراه انجيلا ميركل ففى الهند حكمت السيدة انديرا غاندى ولعلها تعد من اشهر نساء العالم لأنها ارتقت بدولة فقيرة معدمة إلى درجات من التطور حتى جعلتها دولة نووية، وفى باكستان كانت السيدة بينظير بوتو التى حكمت البلاد مرتين الأولى وهى فى عمر (35) عاماً، وفى سيريلانكا السيدة سيريمافو باندرانايكا كانت أول امرأة فى التاريخ الحديث تشغل منصب رئيس الوزراء وذلك عام 1965 ميلادى، أما فى بنغلاديش كانت تترأس الحكومة امرأة وتترأس المعارضة أيضاً امرأة، خالدة ضياء الرحمن تراست الحكومة 5 أعوام من عام 1991 إلى عام 1996 لتأتى بعدها زعيمة المعارضة شيخة حسينة واجد تتولى رئاسة الوزراء من عام 1996 إلى عام 2001 وهى أيضاً تتولى المنصب الآن من أوائل عام (2009)،ولا أحد يجهل مارجريت تاتشر المرأة الوحيدة التى شغلت منصب رئيسة وزراء فى تاريخ بريطانيا العظمى ومدة حكمها هى الأطول، وأخيراً فى البرازيل ديلما روسيف رئيسة البرازيل السادسة والثلاثين. وأول امرأة برازيلية فى المنصب.
ولا تتعجب حين تعلم إن فى 18 مارس الحالى الرئيس الأمريكى باراك أوباما سيرشح أول امرأة لرئاسة قيادة قتالية رئيسية فى الجيش الأمريكى وهى الجنرال بالقوات الجوية لورى روبنسون، سابع قائد يترأس القيادة الشمالية الأمريكية ومقرها كولورادو، وتترأس روبنسون حاليا القوات الجوية فى منطقة المحيط الهادئ، ولكن نساء أوربا كانت لهم الأسبقية فنجد أورسولا فون درلاين وزيرة الدفاع الألمانية، وأيضاً وزيرة الدفاع الهولندية انين هينس بلاشيرت ووزيرة الدفاع لـ(إسبانيا، أوكرانيا، السويد، النرويج، إيطاليا) وفى منتصف الشهر الجارى سلطت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية الضوء على طاقم طائرة تابعة لخطوط رويال بروناى الجوية، تمكن من الهبوط فى مطار جدة بالسعودية، وهو مكون بالكامل من السيدات، هذا الأمر الذى يعد إنجازاً كبيراً فى دوله لا يُسمح للسيدات فيها حتى بقيادة السيارة.
كان العصر الذهبى لحرية المرأة المسلمة وإعطائها حقوقها بداية من عصر النبوة حتى نهاية ما يعرف بالعصر الذهبى للحضارة الإسلامية القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي. فعندما كنا عظماء وكانت لنا النهضة أنجبت لنا المرأة المسلمة وعلمت جيلاً من الفاتحين ملأوا الأرض علماً وعدلاً ونصروا المستضعفين. فإن كنا نرغب فى نهضة أُمتنا فعلينا بتطوير تعليم النساء وتنقيحه والثقة فى قيادتها وإلا أصبحت أمتنا من المتخلفين.
رضا أبو المحاسن يكتب: المرأة من سوق النخاسة إلى قصر الرئاسة (5-5)
الجمعة، 25 مارس 2016 10:06 ص
ورقة وقلم - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة